عندما وصل المستشار فاروق سلطان إلي إعلان النسبة التي حصل عليها الفريق شفيق, وهي48%, غمرتني مشاعر لا توصف.. مشاعر سعادة غامرة علي نجاة ثورتنا من مصير مظلم رسمه لها أعداؤها المتجبرون. كانت لحظة تاريخية وفارقة بكل ما في الكلمتين من معني.. لحظة لا تقارن إلا بلحظة مشابهة في11 فبراير2011 عندما نطق عمر سليمان بكلمة تخلي.. هاتان لحظتان لم أحلم بهما من قبل, ولم أتصور أن أراهما في حياتي.. فقد نجح شعب مصر العظيم للمرة الأولي في تاريخه الطويل ليس فقط في إسقاط آخر فرعون, وإنما أيضا في انتخاب أول رئيس.. كانتا لحظتين, اقترنت الأولي منهما بخروج الطاغية من قصر الرئاسة إلي السجن, واقترنت الثانية بخروج الثائر من السجن إلي قصر الرئاسة. إذن تحية واجبة إلي الشعب الذي نجح, بين كلمتي التخلي وال48%, في إنجاز هذه المفارقة المعجزة التي هي بحق سابقة في التاريخ الإنساني الحديث. وتحية واجبة إلي شهداء الثورة ومصابيها الذين وفرت تضحياتهم الغالية القوة الدافعة لهذا الإنجاز. وتحية واجبة إلي حملة الدكتور مرسي التي نجحت بفضل الله, وإيمان الشعب بثورته, في الانتصار علي صناع الفتن المتنقلة ومروجي الشائعات المسمومة, المنتشرين في بعض وسائل الإعلام, والذين وضعوا مصر كلها تحت رحمة ألسنتهم وأقلامهم المنفلتة, وشنوا حربا شعواء طوال الأسابيع والشهور الماضية, تدنوا خلالها إلي مستويات غير مسبوقة, وكادوا ينجحون في مسعاهم لولا أن لطف الله بمصر. إن أخطر عائق يقف الآن في طريق الرئيس مرسي هو الدولة العميقة من بقايا نظام مبارك/شفيق التي ستعمل بكل ما أوتيت من نفوذ ومال لإعاقة النظام الجديد وإفشاله, وتكرار ما جري مع مسئولي( حماس) عندما فازوا بالانتخابات التشريعية الفلسطينية عام2006, فإذا بهم يواجهون بتعنت وتجاهل وعرقلة من جانب أتباع( فتح) الذين كانوا يهيمنون علي مختلف وزارات السلطة الفلسطينية. هذا العائق يحتاج إلي حسم وحزم في التعامل معه, وعدم السماح بأي هامش للتمرد. إن هؤلاء منهم من لا يترددون في إشعال الحريق بمصر من أجل إرضاء أهوائهم المريضة. إن السكوت علي هؤلاء الذين نعرفهم بالاسم, سيكون خطأ فادحا في حق مصر وثورتها, والبلد لا يتحمل المزيد من الأخطاء. لقد كانت الثورة طيبة ومتسامحة معهم إلي أقصي حد. ولكنهم بدلا من أن يقابلوا الحسنة بمثلها, تآمروا علي الثورة ودفعوا, في إهانة متعمدة لشهدائها, برئيس وزراء موقعة الجمل, بهدف إعادة اختطاف واحتلال مصر. هذه المرة ينبغي ألا نتركهم يختبئون داخل جحورهم كما فعلوا أول مرة, قبل أن يتسللوا إلي الساحة بهدف وأد الثورة دون أن يشعر أو يستعد لهم أحد. علينا أن نلاحقهم بالقانون والدعاوي القضائية علي ما نهبوه قبل الثورة وما نشروه من أكاذيب وشائعات وفتن خلال الفترة الماضية. إن هذه التصرفات تسمم المناخ السياسي وتثير المشاعر وتفاقم الخلافات. وهي كطلقة الرصاص, تخرج ولا تعود, فتحدث من الأضرار والقلاقل والاضطرابات ما تحدث, وهو ما علينا أن نحد منه قدر الاستطاعة, علي الأقل إلي أن تنهض مصر وتقف علي قدميها عفية قوية. لقد قلت من قبل إن السياسة لا تحتمل الإفراط في السذاجة وإحسان النية. وأيضا فإن حكم بلد ثقيل مثل مصر لا يتحمل الإفراط في الطيبة والتسامح. وللأسف فإن جماعة الإخوان, من واقع معايشتي لها, لديها قدر كبير من الطيبة والتسامح يثير الغيظ, وهو ما يستغله أعداؤها للتنفيس عن أحقادهم, وهم مطمئنون إلي أن أحدا لن يسائلهم أو يحاسبهم. هناك بالطبع من يستحق أن نتعامل معه بمنطق التسامح, وهم من قال الله عنهم( ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم). إن العائق الذي تشكله مخلفات نظام مبارك/شفيق أخطر علي نظام الحكم الجديد من المجلس العسكري, وإعلانه الانقلابي.. لأن هذا الإعلان يمكن إسقاطه, أو علي الأقل التفاهم حول بنوده. ولكن ماذا عسانا نفعل مع الحقد الذي يشعل القلوب المريضة نارا. أيضا فإني أري خيرا في هذا الانقلاب, إذا اعتبرناه بمثابة اختبار آخر يمحص المؤمنين بالثورة, ويسقط المزيد من الأقنعة عن وجوه الذين تاجروا بها وبشهدائها. هو اختبار للمؤمنين, يتحدد النجاح فيه بمدي الحنكة والفطنة في التعامل مع هذه العقبة. وهذا النجاح هو الذي سيؤهل المؤمنين إلي المستويات اللازمة من الهدوء والنضج والدهاء, للتعامل مستقبلا مع عقبات أخطر وأكبر قادمة من الخارج. تبقي ملاحظة حول ما تعهد به الرئيس مرسي بألا يكون من نوابه أو مستشاريه أحد من جماعة الإخوان. وأري أن هذا أمر غير منطقي, لأن المفروض أن الدكتور مرسي سيقطع كل علاقة له بالجماعة, وأنه سيكون بالفعل رئيسا لكل المصريين, إسلاميين وعلمانيين. وبالتالي لا يوجد منطق في حرمانه من الاستعانة بذوي الخبرة والكفاءة أيا كان إنتماؤهم السياسي. والمفروض أن يكون المعيار الأول في النائب والمستشار هو خبرته وكفاءته. وهناك في التيار الإسلامي الكثير ممن يمكن الاستعانة بهم, وليس من الحكمة أن نكرر الوضع الذي كانت عليه مصر في زمن مبارك, عندما كان التدين والانتماء الإسلامي تهمة تقصي صاحبها بعيدا عن دوائر الحكم وصناعة القرار.