(1 ) فى انتظار ظهورها، أجول ببصرى حول المكان. ..عازف الإيقاع يجلس على كرسى ينقص رجلاً من أرجله الأربع. .الرجل الجالس الى يسار عازف الكمان الرئيسي، كمانه دون أوتار...العازف الرئيسى ذاته، على قميصه الأبيض بقعة خضراء كبيرة، من الرائحة أعتقد ملوخية. ..رجل القانون، يلصق قطعاً من العلكة على الكراسى التى سوف يجلس عليها زملاؤه. عازف الناي، أعور. الشيللو، أحول. الجيتار يضع سماعة طبية فى أذنه...هناك قطة تروح وتجيء على خشبة المسرح...وهناك عصفور يبحث، دون كلل، عن نافذة يهرب من خلالها الى الخارج....يعجبنى تفكيره ولكنها، فجأة.......تدخل. يدوى التصفيق. تقف الفرقة تحية واحتراماً. تسير هى الى مقدمة المسرح. تحيى الجمهور بانحناءة. يأخذ كل شخص مكانه. تبدأ الفرقة فى العزف...أنظر اليها: سمراء، قصيرة، ممتلئة. فستانها لا يليق بها. شعرها واضح أنه ليس شعرها. الكحل وأحمر الشفاة أكثر مما ينبغي. كريم الأساس والمساحيق الأخرى أقل مما ينبغي، بكثير. تهتز وهى واقفة. تعرج قليلاً عند المشي. تقبض بعصبية على منديل قطنى أرجوانى اللون.....أفكر ثانية فى العصفور إياه. ولكنها ...تبدأ الغناء. فى ثوانٍ يصبح طولها مثالياً. لون بشرتها ولا أروع. جسدها، الكمال مجسداً. فستانها تحفة. شعرها ينسدل على الكون كله. عيناها، شفتاها، وقفتها، مشيتها. مع كل كلمة تنطقها نرى الفراشة الجميلة وهى تخرج من شرنقتها. (2) دون أن أتحرك من مكانى أعرف أن السماء الآن قد صارت أشد زرقة وأن الشمس قد أصبحت أنعم دفئاً، وأن الهواء الموجود هنا هو أنقى هواء يمكن أن تتنفسه. ...دون أن أتحرك من مكانى أعرف أن الغائب سيعود وأن الذاهل سيفيق، وأن العليل سيشفى....وأن..وأن...وألمح العصفور والقطة جالسين جنباً الى جنب يستمعان بشغف واندهاش الى صوتها الساحر. أقوم من مكاني. أتسلل بهدوء الى خارج القاعة. أجد لنفسى مكاناً قصياً. أبدأ، بخشوع، الصلاة ركعتى شكر لله...أنهى صلاتي. آخذ حذائى فى يدى وأعود الى داخل المسرح.....أجلس مكانى وأبدأ، معها، ثانية الغياب فى عوالم أخرى. عوالم أجمل. عوالم أكمل، عوالم أبهى، عوالم أنقى.