من الطبيعى أن تعيش العلاقات التركية الأوروبية حالة من التوتر والشد والجذب منذ وأن تصدر المشهد طموح أنقرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مقابل شبه رفض عام فى القارة البيضاء لهذا الحلم بل ومحاولة تقويضه لمنع دخول دولة إسلامية، ولكن ما حدث مؤخرا من تصعيد الحرب الدبلوماسية والإعلامية بين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان والكتلة الأوروبية يكشف التفاف السلطان العثمانى على الوضع وصبغه بنزعة دينية وأبعاد تاريخية ذات جذور وتراكمات من قلب الماضي. حيث امتلكه الغضب من منع التجمعات والمظاهرات فى بعض العواصم والمدن الأوروبية التى تروج لاستفتاء 16 أبريل المقبل على الدستور التركى الجديد، وسرعان ما فتح النار على المعسكر الغربي، واتهمه بأنه يشن مجددا «حملة صليبية» ضد الإسلام، خصوصا بعد قرار محكمة العدل الأوربية الأخير، بمنح أرباب العمل حق حظر ارتداء الحجاب فى أماكن العمل، ضمن العديد من الرموز الدينية الأخرى. من هنا أراد الرئيس التركى المزايدة على قضية الصراع الأزلى بين الحضارة الأوروبية والإسلام وإحياء تفاصيلها وآلامها لتأجيج الرأى العام التركى سواء فى أنقرة أو على مستوى جاليات الخارج كوسيلة لكسب التعاطف والاستقطاب لتمرير الاستفتاء من ناحية ، وتجديد الحديث عن عضوية الاتحاد الأوروبى والتوقف عن تجاهلها من ناحية أخرى. وبمرور الوقت، تصاعد الاشتباك بين أردوغان وأوروبا مع منع الدبلوماسيين الأتراك من التحرك فى خطة ترويج التعديلات الدستورية فى خطوات اتخذتها كل من هولندا والنمسا وسويسرا وألمانيا والسويد، وانضم رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إلى كتيبة المواجهة عندما أعرب عن صدمته من ألفاظ الرئيس التركى واستخدامه مصطلحات النازية والفاشية فى وصفه لألمانيا وهولندا على وجه التحديد ، معتبرا أن هذا الأسلوب يجرد تركيا من أى فرص لنيل عضوية الاتحاد. وتسارعت وتيرة تصريحات المسئولين الأوروبيين وفى مقدمتهم رئيس المجلس الأوروبى دونالد توسك ، وزعيم كتلة النواب الأوروبيين الليبراليين فى البرلمان الأوروبى جى فرهوشتات، ليتفق الجميع على أن «أوروبا لن تسمح بأن يهددها طاغية». وأمام التكتل الأوروبى ضد أردوغان وصولا إلى ممارسة ضغط من نوع آخر بعد قرار وكالة التصنيف الائتمانى «موديز» بتعديل النظرة إلى الاقتصاد التركى من مستقرة إلى سلبية عقابا لأردوغان على صلفه وتجاوزاته، يتمادى الرئيس التركى فى استفزازاته بترويع الأوروبيين بما يرسخ لفكرة تورطه فى العمليات الإرهابية التى تضرب أوروبا من حين لآخر، بل ويهدد بإلغاء اتفاق الهجرة الذى أبرمته أنقرة فى مارس 2016 مع الاتحاد الأوروبى، ومن الواضح أن تشبث كل جانب بموقفه لاينذر بحدوث انفراجة فى العلاقات التركية الأوروبية ، بل العكس هو المتوقع لتتواصل حرب تكسير العظام بين الطرفين ، فى الوقت الذى تبحث جبهة الحشد الأوروبية عن طرق ووسائل لإرغام السلطان العثمانى الجديد على رفع الراية البيضاء، بينما تركيبته العنيدة لا تحمل دلائل أو معطيات على حلول هذه اللقطة التى تنتظرها أوروبا!