تبدو طريقة تعامل الفكر السياسى الغربى مع الاحتلال الاسرائيلى تبدو متناقضة، وتتجاهل ماتصدره المنظمات الدولية من قرارات ضد استمرار الاحتلال الاسرائيلى وإدخالها دائرة التجميد، أو بالأحرى دون أن تعرف سبيلها أبدا الى التطبيق، بدليل أن كل قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة التى صدرت مطالبة بإنهاء الاحتلال وإعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ووقف الاستيطان والانتهاكات التى تتعارض مع أبسط قواعد حقوق الانسان لم تنفذ أبدا. واللافت أن دولا معينة فى مقدمتها الولاياتالمتحدة لاتدفع بهذا الاتجاه، ولاتحبذه وإنما تقدم الإسناد المطلوب الذى يكافئ الاحتلال على جرائمه، بما يعطى مؤشرا على أن اسرائيل دولة فوق القانون. وفى هذا السياق، يمكن النظر الى مواقف إدارةالرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب، تجاه مجلس حقوق الانسان والتى عبر عنها بوضوح وزير خارجيته ريكس تيلرسون قبل أيام، محذرا من إمكانية انسحاب الولاياتالمتحدة من المجلس فى حال لم يتم إصلاحه - حسبما أفادت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية - والتى كشفت عن أنها تلقت نسخة من الرسالة التى وجهها تيلرسون إلى 9 منظمات غير ربحية فى الثامن من مارس الحالي، بما فيها منظمات حقوق الإنسان، جاء فيها أن الولاياتالمتحدة «تواصل تقييم فاعلية» عمل مجلس حقوق الإنسان. ووفقا ل «تيلرسون» فإن الولاياتالمتحدة ستواصل «رفضها الشديد والمبدئى لأجندة المجلس المنحازة ضد إسرائيل» . وترجع مصادر أمريكية هذا التوجه الى دور مجلس حقوق الانسان فى التأثير على تبنى مجلس الأمن الدولى قرارا حول عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية، ورأى أنه يشكل انتهاكا للقانون الدولى وطالب بوقفه. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن واشنطن طالبت يوم الأربعاء الماضى من الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» بسحب تقرير أصدرته لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) من مقرها فى العاصمة اللبنانية بيروت والذى خلص إلى أن «الأدلة المتوافرة تشير إلى أنه ثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن إسرائيل مذنبة بتطبيق سياسات وممارسات تمثل جريمة فصل عنصري» وتأكيداتها عند الإعلان عن التقرير، مؤكدا أن «إسرائيل» نجحت طوال العقود الماضية فى فرض نظام الفصل العنصرى تجاه الفلسطينيين، من خلال تفتيت الشعب الفلسطينى وقمع الفلسطينيين، كما نجح فى فرض نظام الأبارتيد عبر وسيلتين: أولا، تفتيت الشعب الفلسطينى سياسياً وجغرافياً لإضعاف قدرته على المقاومة وتغيير الواقع، وثانياً، قمع الفلسطينيين كلّهم بقوانين وسياسات وممارسات شتي، وذلك بهدف فرض سيطرة جماعة عرقية عليهم وإدامة هذه السيطرة. ولا تقتصر أهمية هذا التقرير على كونه الأول من نوعه الذى يصدر عن إحدى هيئات الأممالمتحدة ويخلص بوضوح وصراحة إلى أن «إسرائيل» هى دولة عنصرية، أنشأت نظام أبارتيد يضطهد الشعب الفلسطيني، بل تكمن كذلك فى تسليطه الضوء على جوهر قضية الشعب الفلسطينى وشروط تحقيق السلام، مما أدى الى ثورة واشنطن والكيان الاسرائيلى بالضرورة والذى وصفه - على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية - بأنه «منشور دعائى نازى معادٍ بشدة للسامية». واللافت أن الأمين العام للأمم المتحدة استجاب للضغوط الأمريكية والاسرائيلية معا -رغم نفيه ذلك - فتبنى موقف النأى بنفسه عن هذا التقرير وندد به علنا مما دفع الدكتورة ريما خلف، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية ل «اسكوا» - والتى أعدت التقرير -الى التقدم باستقالتها أمس الأول نتيجة ضغوط رئيسها الأول فى المنظمة الدولية مبررة هذه الخطوة بأنها رأت من واجبها ألا تكتم شهادة حق عن جريمة ماثلة مبدية إصرارها على كل استنتاجات التقرير». وفى ضوء ذلك سارع جوتيريش الى قبول الاستقالة أمس الأول، وطلب حذف التقرير من الموقع الإلكترونى للجنة الأممية بدعوى أنه صدر دون أى استشارة أو استفسار أو تنسيق مع مكتبه فى نيويورك، ومن ثم فإنه من غير المقبول أن يصدر بعيدا عن التنسيق مع مكتبه، دون أن يذكر الحقيقة المتمثلة فى ضغوط إدارة ترامب التى أكدت أن الأممالمتحدة بعد العشرين من يناير- موعد وصول الرئيس الأمريكى الجديد الى البيت الأبيض - لن تكون، مثلما كانت عليه قبل هذا التاريخ،وذلك فى تعقيبه على قرار مجلس الأمن الرافض للاستيطان الاسرائيلى فى ديسمبر الماضي.