نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد العباسي ببورسعيد (بث مباشر)    «شيمي»: التكامل بين مؤسسات الدولة يُسهم في بناء شراكات استراتيجية فعّالة    اسعار الاسمنت ومواد البناء اليوم الجمعة 26ديسمبر 2025 فى المنيا    قصف مدفعي لقوات الاحتلال يستهدف تل أحمر شرقي جنوب سوريا    أحمد عبد الوهاب يكتب: حل الدولتين خيار استراتيجي يصطدم بالاستيطان    داليا عثمان تكتب: لماذا "لبنان"؟    الهلال يستضيف الخليج في الدوري السعودي    موعد مباراة المغرب ومالي في أمم أفريقيا 2025.. والقنوات الناقلة    الحماية المدنية تنقذ عاملين سقطا في خزان مياه بالقاهرة    وزارتا الخارجية والاتصالات تعلنان إطلاق خدمة التصديق على الوثائق عبر البريد    المتحف القومي للحضارة يطلق فعاليات «روح ومحبة» احتفالًا برأس السنة وأعياد الميلاد    خطوات هامة لضمان سلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع لجنة المسؤولية الطبية    كلية المنصور الجامعة تعزّز الثقافة الفنية عبر ندوة علمية    تحذير رسمي من وزارة الزراعة بشأن اللحوم المتداولة على مواقع التواصل    وزير الكهرباء يبحث مع مجموعة شركات صاني الصينية التعاون في مجالات الطاقة المتجددة    إصابة شخصين في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بقنا    رخصة القيادة فى وقت قياسى.. كيف غير التحول الرقمي شكل وحدات المرور؟    غارات وقصف ونسف متواصل يستهدف مناطق واسعة بقطاع غزة    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    هل انتهى زمن صناعة الكاتب؟ ناشر يرد بالأرقام    جيش الاحتلال: قصفنا مجمع تدريب ومستودعات أسلحة تابع لحزب الله في لبنان    نقل الفنان محمود حميدة للمستشفى بعد تعرضه لوعكة.. اعرف التفاصيل    وزارة التضامن تفتتح غدا معرض ديارنا للحرف اليدوية والتراثية بالبحر الأحمر    كامل الوزير: إلزام كل مصنع ينتج عنه صرف صناعي مخالف بإنشاء محطة معالجة    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 26-12-2025 في قنا    بحوث الإسكان والبناء يواصل ريادته العالمية في اختبارات الخط الرابع للمترو    فضل شهر رجب.. دعاء مستحب واستعداد روحي لشهر رمضان (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26-12-2025 في محافظة قنا    زيلينسكي: اتفقت مع ترامب على عقد لقاء قريب لبحث مسار إنهاء الحرب    مباراة مصر وجنوب أفريقيا تتصدر جدول مباريات الجمعة 26 ديسمبر 2025 في كأس أمم أفريقيا    مخالفات مرورية تسحب فيها الرخصة من السائق فى قانون المرور الجديد    متحدث الوزراء: مشروعات صندوق التنمية الحضرية تعيد إحياء القاهرة التاريخية    مسؤول أمريكي: إسرائيل تماطل في تنفيذ اتفاق غزة.. وترامب يريد أن يتقدم بوتيرة أسرع    شروط التقدم للوظائف الجديدة بوزارة النقل    زعيم كوريا الشمالية يدعو إلى توسيع الطاقة الإنتاجية للصواريخ والقذائف    مخاطر الوجبات السريعة على صحة الأطفال    تفاصيل جلسة حسام حسن مع زيزو قبل مباراة مصر وجنوب إفريقيا    وزير العمل يصدر قرارًا وزاريًا بشأن تحديد العطلات والأعياد والمناسبات    لاعب جنوب إفريقيا: أثق في قدرتنا على تحقيق الفوز أمام مصر    معركة العمق الدفاعي تشغل حسام حسن قبل مواجهة جنوب إفريقيا    شعبة الأدوية: موجة الإنفلونزا أدت لاختفاء أسماء تجارية معينة.. والبدائل متوفرة بأكثر من 30 صنفا    الزكاة ركن الإسلام.. متى تجب على مال المسلم وكيفية حسابها؟    عمرو صابح يكتب: فيلم لم يفهمها!    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    سكرتير محافظة القاهرة: تطبيق مبادرة مركبات «كيوت» مطلع الأسبوع المقبل    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    الفريق أحمد خالد: الإسكندرية نموذج أصيل للتعايش الوطني عبر التاريخ    «الثقافة الصحية بالمنوفية» تكثّف أنشطتها خلال الأيام العالمية    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    أردوغان للبرهان: تركيا ترغب في تحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة أراضي السودان    الأقصر تستضيف مؤتمرًا علميًا يناقش أحدث علاجات السمنة وإرشادات علاج السكر والغدد الصماء    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    أسامة كمال عن قضية السباح يوسف محمد: كنت أتمنى حبس ال 18 متهما كلهم.. وصاحب شائعة المنشطات يجب محاسبته    ساليبا: أرسنال قادر على حصد الرباعية هذا الموسم    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    40 جنيهاً ثمن أكياس إخفاء جريمة طفل المنشار.. تفاصيل محاكمة والد المتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقال لم ينشر من قبل للمسيري
خصت زوجته به الاهرام

لم تكن الدكتورة هدي حجازي زوجة عادية لرجل غير عادي هو المفكر الدكتور عبد الوهاب المسيري صاحب الموسوعة الكبري اليهود واليهودية والصهيونية‏.‏ بل كانت وفق ماقال في كتابه رحلتي الفكرية هي التي قرأت كل ما كتبت و حاورتني كما لم يحاورني أحد‏. ورحلة هدي وعبد الوهاب بدأت منذ تعارفا في قسم اللغة الانجليزية بآداب الاسكندرية عام1958( كانت في الصف الأول وكان هو في الصف الرابع والأخير).وهي معرفة توجاها بالزواج في عام.1960 ولأنها لم تكن زيجة لمجرد بناء البيت وإنجاب الأولاد( نور و ياسر), فقد شاركت هدي رفيق عمر عبد الوهاب في العمل بموسوعته الذي إستغرق أكثر من16 عاما, و كتبت لها كل ما يتعلق بالتعليم والتربية. كما شاركته ترجمة كتاب الغرب والعالم لصديقه المؤرخ الأمريكي المجدد كافين رايلي. وفوق هذا وذاك كانت رفيقة وشريكة سنوات الفاعلية السياسية الأهم للمسيري خلال أنشطة ومظاهرات حركة كفاية التي تولي مسئولية منسقها العام منذ يناير2007 والي حين وفاته في3 يوليو.2008
الدكتورة هدي حجازي نادرا ما تتحدث للإعلام. فهي وفق وصف المسيري: إنسانة خاصة جدا ترفض أن تكون جزءا من الحياة العامة أو علي الأقل من حياتي العامة, والي حد أنه روي في كتابه المشار اليه سابقا كيف رفضت أن يهدي لاسمها واحدا من أهم كتبه. لكن بمناسبة الذكري السنوية الرابعة لرحيله تحدثت الينا وأهدت الأهرام مقالا لم ينشر له من قبل. وروت تفاصيل وقائع لم ترد في كتاب رحلتي الفكرية الذي كان يحلو له وصفه ب سيرة غير ذاتيه غير موضوعية. تذكرت كيف طلب خطبتها في أحد ممرات الكلية بعد شهرين فقط من التعارف فوافقت علي الفور, وبعدما لفت نظرها هذا الشاب الوسيم حاد الذكاء خفيف الدم المثقف جدا. وقالت: طلب مني أن أكتب موضوعا باللغة الإنجليزية في مجلة الجمعية الإنجليزية التي يرأسها وهي بالأصل تابعة للكلية. وكان الموضوع إجابة عن السؤال: هل يعيش المثقف في برج عاجي أم عليه أن يتفاعل مع المجتمع؟.. فانحزت للخيار الأخير.
قبل أشهر قليلة من تعارفهما بجامعة الاسكندرية كان المسيري قد تعرض لتجربة اعتقال قصيرة علي ذمة أحد التنظيمات الشيوعية. وعندما سألتها عما علق بذهن مفكرنا عن هذه التجربة بخلاف ما ورد في كتابه من إشارة سريعة عنها, قالت: لم تترك التجربة أثرا كبيرا في نفسه.. كانت التجربة فجائية وقصيرة.. لكنه روي لي اندهاشه من أن( مكوجيا) معه في التنظيم ظل معتقلا لفترة طويلة بعدما جري إطلاق سراحه هو. أما كتاب ماو تسي تونج عن التناقض الذي كان قد ترجمه لتثقيف رفاقه في التنظيم في ذلك الوقت فلم يكن كما قالت الدكتورة هدي محل أي اهتمام لاحق من جانبه. وأضافت: عبد الوهاب تطور كثيرا بعدها.
وتصف أربع سنوات أمضاها بين الاسكندرية والقاهرة كي يظفر ببعثة الدراسات العليا في الولايات المتحدة بأنها كانت حربا شعواء كشفت عن طبيعة شخصيته المقاتلة التي لا تيأس. كما روت الأيام الصعبة القاسية التي عاشاها في أحد أحياء الزنوج بنيويورك خلال التحاقه بجامعة كولومبيا فور وصوله الي الولايات المتحدة, وقالت: كانت أموال المنحة التي تأتي من مصر شحيحة جدا.. وكنا نعيش في غرفة واحدة في حي تهاجم فيه الفئران الأطفال. ولما سألتها عن كيف بدأ انشغاله الأكبر بالظاهرة الصهيونية عندما سافر لدراسة الأدب الانجليزي في الولايات المتحدة قالت انه جاء إثر حوار له مع زميلة طالبة أمريكية يهودية و اندهاشه لهذا الخلط عندها بين الديانة والقومية الجنسية بالنسبة لليهودية.
علاقة المسيري مع المؤرخ المجدد كافين رايلي التي تستعد الدكتورة هدي حجازي لاصدار الطبعة الثانية من ترجمة كتابه الغرب والعالم بعد إضافة أربعة فصول جديدة تلخصها في قولها: هو وكافين أسسا( المنتدي الاشتراكي) في جامعة رتجرز الأمريكية في الستينيات. وكافين بالأصل مثقف وكاثوليكي.. وعبد الوهاب يعتقد ان الكاثوليك أكثر انسانية من البروتسانت.. كما يجمع بين الرجلين النظرة الانسانية والولع بالفنون.. وشيئا فشيئا طورا نظرة نقدية مشتركة للصهيونية.. وحقيقة فقط كان كافين أمريكيا يؤمن بالعدالة. أما عن تجربة العمل المشترك في الترجمة مع الدكتور المسيري فتقول: في الترجمة والتأليف هو شخص يتميز بالسرعة والإنجاز مقارنة بي.. أترجم واكتب صفحتين وهو في الوقت نفسه ينتج عشرين صفحة.. كما ان عبد الوهاب لديه جرأة فكرية.. وهذا ساعده في ان يحقق إنجازات واختراقات مهمة.
أصداء يونيو1967 علي الدكتور المسيري ترسمها الدكتورة هدي قائلة: كانت الحالة سيئة جدا.. لكن عبد الوهاب كان متماسكا, وقال: خسرنا معركة ولم نخسر الحرب. واضافت: بعدها توجه بقوة الي دراسة الصهيونية واسرائيل اثناء اعداده للدكتوراه. لكنها تعود لتوضح ان السنوات بين1975 و1979 التي عاد فيها الي الولايات المتحدة لمرافقتها وهي تعد دراسة الدكتوراة هي التي منحته تفرغا غير مسبوق للقراءة في شتي أوجه المعرفة. وأضافت: وقتها اختار العمل بعض الوقت لا كل الوقت كمستشار ثقافي لوفد الجامعة العربية بالأمم المتحدة في نيويورك.
تحولات المسيري الفكرية الي لون من الإسلام الحضاري في عقد الثمانينيات لم تتعارض مع استمرار ولعه بالفنون التشكيلية والسينما والمسرح و المتاحف و الموسيقي. ومرضه بالسرطان بحلول عام2000 وبعد إنهائه العمل بالموسوعة عام1998 لم يحد من نشاطه في التأليف والإبداع أو من استمتاعه بالحياة والفنون. وكما قالت زوجته: وجد في العمل والتفاؤل طريقة لمقاومة السرطان. وقبل وفاته باسبوعين ذهبنا الي السينما. وقبل الوفاة بيومين فقط كان قد اصطحب معه اوراق عمله الي المستشفي.
مواقف مفكرنا المعارضة لبطش السلطة عديدة ولا تتوقف عند تحمله مسئولية المنسق العام لحركة كفاية في مطلع عام2007. وفي يناير عام1972 اشترك مع زوجه في جمع توقيعات اساتذة الجامعة علي بيان تضامن مع مطالب الحركة الطلابية. وتقول الدكتورة هدي عن قبول زوجها مسئولية كفاية في وقت صعب كادت الحركة فيه تتمزق داخليا فيما تتعرض لقمع عنيف من السلطة: كان لديه قدرة علي تجميع الناس من مختلف التيارات من ماركسيين وقوميين واسلاميين. وعن نزولهما للشارع في إحتجاجات كفاية قالت: كنا نتلقي تهديدات من ضباط رفيعي المستوي.. لكن الدكتور المسيري اختار تحديها كلها. واشارت الي انها شخصيا تعرضت للضرب ووقعت علي الأرض علي ايدي الشرطة في احدي هذه المظاهرات. وتضيف: كان يتوقع انفجارا كبيرا قريبا في مصر و يري ان الشباب هو الذي سيقود التغيير. وعندما سألتها عن اختطافهما في18 يناير2008 من ميدان السيدة زينب الي الصحراء لمنع كفاية من تنظيم وقفة بمناسبة الذكري الحادية والثلاثين للانتفاضة الشعبية, قالت: رجعنا الي البيت ومعنوياته مرتفعة.. وعلي عكس حالي كان متفائلا بان الناس ستنضم الي التغيير.

نهاية إسرائيل العنصرية
د. عبد الوهاب المسيرى
حينما أصدرت محكمة العدل الدولية حكمها بخصوص الجدار العازل وعدم شرعيته بدأ الحديث علي الفور عن أن هذه هي بداية النهاية باعتبار أن هذا هو ما حدث لجنوب أفريقيا: عزلة دولية تبعتها مقاطعة وأخيرا سقوط النظام العنصري. وقد جال نفس الخاطر بعقل يهودا ليطاني( يديعوت أحرونوت91 أكتوبر6002) الذي حذر من استمرار عزل الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وحرياتهم سيحول الدولة الصهيونية إلي دولة أبارتايد مثل جنوب أفريقيا, وأنها لن تجد أحد يقف معها أو يري بعيونها ما تراه, أي أن مصير جنوب أفريقيا ينتظر الجيب الصهيوني!.
إن الكتاب الاسرائيليين الذين ربطوا مصير النظام العنصري في جنوب أفريقيا بمصير الدولة المحتمل كانوا علي حق, فنظام الفصل العنصري السابق في جنوب إفريقيا يشبه في كثير من الوجوه نظام الفصل العنصري السابق في فلسطين المحتملة. وكلاهما لجأ إلي العنف والبطش ليقضي علي مقاومة السكان الأصليين. ولكنهم استمروا في المقاومة إلي أن أنهك النظام العنصري وسقط, فعلي مدي قرون تمسك الأفارقة السود, أبناء البلاد الأصليون, بحقهم في المساواة والعيش بكرامة في وطنهم, وقاوموا بكل السبل السياسية والثقافية والعسكرية محاولات إخضاعهم أو تغييبهم أو تهميشهم, وبعد سنوات من الحوار المسلح مع الأقلية البيضاء التي كانت تسيطر علي مقاليد الأمور في البلاد, بدأ العالم يقاطع هذه الدولة وتصاعدت المقاومة, فبدأت الأقلية البيضاء الحاكمة تدرك انه لايمكن الوصول إلي حل دائم من خلال الوسائل الأمنية أو العسكرية, ومن ثم وافقت علي إنهاء النظام العنصري وتسليم السلطة إلي ممثلي السكان الأصليين بقيادة نلسون مانديلا, والذي لم يتنازل مطلقا, حتي في أحلك اللحظات, عن حق شعبه في انتهاج أسلوب المقاومة المسلحة في مواجهة المستوطنين العنصريين.
وشكل هذا الإدراك, وما تبعه من خطوات عملية, إيذانا بظهور نظام جديد استوعب البيض, الذين تحولوا إلي مواطنين في دولة متعددة الأديان والأعراق والقوميات, وفتح الباب أمام الجميع للمشاركة في العملية السياسية والتمتع بالحقوق كافة دون تفرقة علي أساس اللون أو الدين أو اللغة أو الجنس. وكان بعض المستوطنين البيض يروجون للرأي القائل إن نهاية نظام الأبارتهايد يعني العنف وإبادة البيض والمذابح الجماعية والحروب الأهلية وأن نهاية النظام العنصري تعني نهاية المستوطنين البيض ككيان إنساني له حقوق سياسية ودينية وإثنية. ولكن ما تحقق علي أرض الواقع كان مختلفا تمام الاختلاف.
ويمكننا أن نطرح السؤال التالي: ماذا يمنع أن يحدث ذلك في فلسطين؟ أليس هذا هو مصير كل الجيوب الاستيطانية التي لم تبد السكان الأصليين, ألا يعني هذا نهاية إسرائيل؟ ولكن هل نهاية إسرائيل, تعني نهاية الاسرائيليين ككيان إنساني, إثني وديني؟
هنا يمكن القول إن نموذج جنوب إفريقيا قابل للتحقق في فلسطين, فمع تصاعد الحوار المسلح, قد يغدو الجيب الاستيطاني الصهيوني باهظ التكلفة بالنسبة للدول الاستعمارية التي ترعاه, وقد ينال الإرهاق من المستوطنين الصهاينة مما يدفعهم إلي التسليم بأن لا طائل من وراء الحلول العسكرية والأمنية, وأنه لا مخرج لهم سوي التخلي عن عنصريتهم وعزلتهم وادعاءاتهم القومية والدينية. أن تستمر المقاومة الفلسطينية بمختلف الوسائل, وفي مقدمتها الكفاح المسلح, وأن تواصل في الوقت نفسه توجيه رسائل إلي المستوطنين, ولاسيما اليهود الشرقيين وقوي السلام في اسرائيل, مؤداها أن الحل العربي لمسألة الاحتلال الاستيطاني الصهيوني لايعني ذبح اليهود أو إبادتهم, كما تزعم القيادات الصهيونية, وإنما تفكيك الإطار العنصري للدولة, وإنشاء مجتمع جديد علي أسس إنسانية وديمقراطية علي نمط جنوب أفريقيا. إن الدولة الصهيونية تدعي أنها ليست دولة لكل مواطنيها الذين يعيشون داخلها, بل دولة لكل يهود العالم الذين يعيشون خارجها, وهو وضع شاذ لا سند له في تجارب التاريخ أو في الأعراف والقوانين الدولية. وهذه الدولة لاتكف عن الحديث عن حق العودة لليهود من مختلف أنحاء العالم, رغم مرور آلاف السنين علي وجودهم المزعوم علي أرض فلسطين ورغم أن أغلبية يهود العالم لاتريد الاستقرار في الكيان الصهيوني غير المستقر أصلا, ورغم أن مندوبيها يهودون بعض الهنود الحمر في بيرو حتي تجلبهم لتملأ بهم المستوطنات الخاوية, وترحب بهجرة اليهود السوفيت الذين ظهر أن نصفهم من غير اليهود, فنسبة كبيرة من هؤلاء الذين يسمون أنفسهم يهودا كانوا قد فقدوا علاقتهم باليهود كدين وكميراث ثقافي. وتقوم الدولة الصهيونية الآن بتهجير بعض يهود الهند الذين شككت الحاخامية الاسرائيلية في يهوديتهم, وقبلت بهجرة الفلاشاة بعد أن رفضت عام3791 بهجرتهم ونصحتهم بالتحول للمسيحية حلا لمشاكلهم, فعلم الأنثروبولوجيا الغربي يصنف الفلاشاة علي أنهم مسيحيون دخلت علي عقيدتهم بعض العناصر اليهودية, ومن الملاحظ أن بعضهم تأثروا بجيرانهم المسلمين, ولذا حينما وصلوا إلي اسرائيل تحولوا إلي الإسلام, وقد كتب أحد الصحفيين الاسرائيليين مقالا بعنوان الفلاشاة السنيون.
هذه الدولة الصهيونية التي تبحث عن يهود وأشباه يهود وأنصاف يهود ومتهودين وغير متهودين لتمنحهم حتي العودة والاستيطان في فلسطين تنكر هذا الحق علي الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم منذ سنوات قلائل, والذين يطالبون بالعودة إلي أراضيهم ومنازلهم, لكل هذا يجب أن تترجم هذه الرؤية العربية الجديدة, ذات الطابع الانساني الديمقراطي, إلي خطوات إجرائية محددة, وفي مقدمتها إلغاء قانون العودة العنصري والقوانين العنصرية الأخري مثل دستور الصندوق القومي اليهودي, الذي يعد أحد دعائم الجيب الاستيطاني في عنصريته واقصائيته, حيث تحرم قوانينه علي غير اليهود أن يمتلكوا أرضا يمتلكها ما يسمي الشعب اليهودي أو أن يعملوا فيها, أي أنها تمنع العرب من مواطني الدولة الصهيونية من امتلاك أية أراض تمتلكها الوكالة اليهودية( وهي تمثل حوالي09 بالمائة من أراضي فلسطين المحتلة). والجدير بالذكر أن مثل هذه القوانين العنصرية تحول مقولة يهودي إلي مقولة قانونية, وهو الأمر الذي يؤكد أن العنصرية الصهيونية جزء لا يتجزأ من البنية القانونية للدولة الصهيونية, وهذه هي إحدي السمات الأساسية للجيوب الاستيطانية الإحلالية, إذ يتحول التمييز العنصري من مجرد عمل يقوم به العنصريون المتعصبون إلي ركن من أركان البناء القانوني, يعاقب كل من يتجاوزه أو يخرقه.
ولابد من التأكيد هنا أن تمسك أبناء البلاد الأصليين بخيار المقاومة المسلحة كان العنصر الحاسم في انهيار النظام العنصري في جنوب إفريقيا. وهو نظام دام قرابة أربعة قرون وكان يمتلك عناصر قوة ذاتية ولم يكن يعتمد اعتمادا كبيرا علي الخارج. كما هو الحال مع الدولة الصهيونية, كما أنه لم يدخر وسعا في انتهاج كل أساليب القمع والبطش والتنكيل بالسكان الأصليين. ولعل هذا النموذج يقدم ردا مفحما علي أولئك الذين يقللون من أهمية المقاومة الفلسطينية أو يطالبونها بالتخلي عما يسمونه العنف حتي تحظي بالرضا الأمريكي, وكذلك الذين يرون أن الكيان الصهيوني أصبح أمرا واقعا لاسبيل إلي مواجهته أو التصدي له, ومن ثم لم يعد هناك سوي التعايش معه وقبوله والإذعان لشروط وجوده, والذي يحذرون أن نهاية إسرائيل لا تعني فك الإطار العنصري وإلغاء القوانين العنصرية واستيعاب المستوطنين في الكيان الجديد, وإنما تعني إبادة الاسرائيليين, وهو إفتراء الهدف منه الحفاظ علي النظام العنصري واستبعاد الحلول السلمية المبنية علي العدل والمساواة. د. عبدالوهاب المسيري
والله أعلم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.