ما تريده مصر ليس غريبا عن مضامين الخطاب السائد للسيد الرئيس قبل إحرازه السبق وبعده, كما أنه ليس غريبا عن السياق السائد والمناخ المهيمن أثناء الانتخابات وبعدها. وقبل أن نمضي مع إرادة المصريين نري التهنئة واجبة, لكنها تهنئة نادرة, تلائم, أيضا, مافي الفوز بالرئاسة هذه المرة بالذات,من سمات فريدة, لم تشهدها مصرعبر آلاف السنين من تاريخها. تريد مصر من الرئيس أن يكون رئيسا لمصر بأسرها,وللمصريين أجمعين, حيث لا أجد وصفا لذلك أبلغ من تعبير قاله, وهو( الاصطفاف),لاسيما وهو في مستهل مهمة صعبة, ونيات قوي مناهضة التغيير وتخطيطاتها, أحدثت بلبلة وفوضي شتتت الانتماء وشرذمته إلي معلمين بارزين من معالم الطريق الحائر: أحدهما: ما أسفر عنه الفجر الصادق صبيحة الخامس والعشرين من يناير2011, مما وصف بالثورة الشبابية التي صارت شعبية بالمواكبة والتأييد والمؤازرة من غير الشباب,فصارت ثورة, بحق,وإن لم تنطبق فيها وعليها دلالات مصطلح الثورة في أبسط آثارها ونتائجها, وهو( التغيير الجذري), لا مجرد( الإصلاح) فحسب. لكن ذلك كله لايقلل من قدر ما تم بالفعل من عظمة وتغيير ملموس, وإن لم يكن جذريا, كان يعد, من قبل,في حساباتنا, من عاشر المستحيلات, ومن ثم مضي فريق مع الثورة, مؤيدا مضحيا, مدافعا,مستشهدا, ظاهرا حينا,ومتواريا حينا,وكان هذا طريق الثورة التي كانت حصاد ما ضحي من أجله آباء الثورة وأجدادها ممن يصعب حصرهم, وحصر ما كافحوا ونافحوا من أجله علي مدي قرون, لاسيما في العقود الأخيرة. أما الفريق الثاني, فوجوده منطقي ومتوقع, إذ لكل ثورة ثورة مضادة, وقد تم بفعل فاعل, وفي خطوات متنوعة بدءا من الأيام الأولي لقيام الثورة, واكتمل بتخطيط دقيق صبور تم فيه تغييب الثورة, أو غيابها, وشيئا فشيئا,طرأت علي محياها المشرق الجميل أنماط متعمدة من التشويه,حتي زعم الزاعمون, بل ذهبوا,زورا وبهتانا, إلي نسبة كل خلل حدث ويحدث وسيحدث في مصر إلي الثورة, بدءا من: ميزان المدفوعات, أوالنقص في المال والثمرات, أوالضرر في الأرواح والممتلكات, أوشيوع الشر والفساد في الأرض.. انتهاء إلي انتشار القمامة منذ القانون التعسفي القديم بسداد رسومها مع فاتورة الكهرباء, فكان ذلك دافعا للناس بإلقاء القمامة وقد دفعوا ثمن النظافة.. إلخ ما يمكن أن يطرأ علي بالك في رصد المساوئ والخلل. كل هذا بات مرده, لديهم,إلي الثورة, حتي وإن كان موجودا ومتفشيا قبل ميلادها, وكان هذا بفعل الفاعلين, والمدبرين, وفق منهج مدروس, وكان,من ثم, مبررا لأن يعلو صوت مناوئ للثورة والثوار,انضم إليه, وسانده, بصراحة,أوفي الخفاء, إن لم يكن. في كثير من الأحيان هو صانعه ومدبره الرئيسي انضم أشتات من مجموعات متفرقة جمعها هدف واحد, كان, في الأصل, نتيجة فقدان نفوذ وسلطان,أومال وجاه, أوكسب وتكسب وثراء,أو تجارة واستثمار, أواستغلال, وانتهاز, أو احتلال مركز ومنصب وموقع, أو وجود حقد وعداء وخلاف, بما يعني,في النهاية, الانتماء إلي الماضي والتشبث به. بذلك اتضح أننا أمام فريقين يمكن تحديد صفتيهما, بصراحة, في: ثورة, أو ثورة مضادة, علي الرغم من إيماني بعدم دقة المصطلحين علي حد سواء, أو علي الأقل متطلع لاستكمال ما بدأه الشباب, أوالتمسك بمبدأ وضع الأمر علي ما هو عليه, وعلي المتضرر اللجوء إلي القانون. وتنوعت, علي مدي عام ونصف, أساليب كل فريق في سبيل إرساء دعائمه, وتوطيد أركانه, وزيادة أعداد المنتمين إليه, وهذا كله من البدهيات المعلومة للجميع, وهنا أقول: تريد مصر من السيد الرئيس أن يكون علي مستوي واحد ومسافة واحدة من هؤلاء جميعا, بعيدا عن أي شعور شخصي وليس في هذا تحقيق ما يقال من( المصالحة); لأن الأمر ليس في نزاع, أوخلاف حول طريقين. بل هو طريق واحد هو الاحتكام, فقط, إلي القانون الرادع الشفاف وإلي عقد مؤتمرات نوعية مع فئات ممن طمحوا للعودة إلي النظام السابق محكومين بدافع المصلحة الشخصية والأمل في استرجاع ماكان والانخداع بالوعود والأماني ولكل عذره وحجته وحاجته. المزيد من مقالات د. يوسف نوفل