تردت سلوكيات المصريين، ولم تعد تقتصر على الجنوح نحو ديكتاتورية الرأى والتشدد فى التعاملات,وتصدرت مشاعر الكراهية العلاقات فيما بينهم,فى غياب ما عرف عنهم من قيم التسامح والعفو,ويبدو أن قسوة الإصلاحات الاقتصادية جعلت من هذا الشعب الموعود بالعذاب والمعاناة تربة خصبة لغزو الأمراض النفسية حتى بات الأمر يستدعى دراسات سيكولوجية للشخصية المصرية. فخلال الأسبوع الماضى بدا وكأن قطاعا كبيرا من الشعب ظهر عليه عارض نفسى هو الانفصال عن الواقع، فقد اقتحم الآلاف يدفعهم حب الاستطلاع والبحث وراء كل جديد بوابات مول افتتح مؤخرا فى أكتوبر,دلفوا يبحثون عن سلعة رخيصة أو وجبة فى عرض عائلى أو بغرض التقاط الصور لتسجيل لحظة ملامسة أرض المول ورفع صورها على مواقع التواصل الاجتماعى اللمباهاة الاجتماعية«، لكن المئات منهم اختاروا التميز فاصطفوا فى طوابير لدخول المنطقة الثلجية وهى الأكبر فى الشرق الأوسط بتذكرة قيمتها 450جنيها,بينما اختار العشرات تميزا أكبر بالتقاط الصور مع «البطريق» ب 850 جنيها,رغم أن البطاريق لم تصل بعد! لا تجادل بأن هؤلاء لايمثلون سوى شريحة صغيرة من 95 مليون نسمة,فهؤلاء يمثلون الطبقة الوسطى التى من المفترض أنها تتآكل بقوة منذ بدء الإصلاحات الإقتصادية وأفرادها يستغيثون ليل نهار بأنهم أصبحوا يعيشون بالكاد ويكتفون بالضروريات. فهذه الطبقة هى الترس الأكبر فى عجلة الاقتصاد وأفرادها هم الأبرز فى حركة المولات والمطاعم وعضويات الأندية وقوائم حجوزات السيارات والفيلات.ومن وجهة نظرى فإن الطبقة الغنية التى تعلو المتوسطة لا يزاحم أفرادها فى افتتاح المولات ولا يشاركون فى مناطق الطعام المزدحمة ويفضلون عالمهم الخاص من فنادق ومطاعم النجوم الخمسة واستقدام الطعام بالطائرات. وبنفس المنطق لا يمكن تفسير حالة الصمت الشعبى وعدم الاهتمام بالبراءة الأخيرة لمبارك فى قضية قتل المتظاهرين بعيدا عن عارض نفسى آخر هوبالازدواجية فى الشخصية«، فخلال فترة التقاضى منذ الثورة كان من المستحيل أن يجاهر أحد ببراءة الرجل رغم ضعف الأدلة لأن الحالة الثورية كانت فى أوجها. وصحيح أن إدانة مبارك «قضائيا» كانت فى قضية القصور و«سياسيا» عند اشتعال الثورة,لكن اللامبالاة بالبراءة الأخيرة لاتنفصل عن اعتراف الكثيرين من خصومه قبل مؤيديه بأن ظروف الحياة فى عهده كانت أفضل! [email protected] لمزيد من مقالات شريف عابدين