عمداً ومع سبق الإصرار والترصد، يفرض الإعلام بكل أصنافه وصولاً للإعلام المجتمعي، مَنَاحَة مفتوحة الفاعليات عنوانها (التهجير القسرى للأقباط فى سيناء)، عبر حالة من الصُراخ المُوجع والبيان المُشَتِتْ، والتعليق المُفَتِتْ، ليتبارى نشطاء وسائل التواصل الاجتماعى فى تقديم عجينهم إلى فرن الفتنة المتقد بفعل فاعل؟. وتصبح الدهشة سيدة الموقف، حين تطالع صنوفاً من العاملين فى صناعة الإعلام، يعتبرون طيلة الوقت أن علمانيتهم المتنصلة من الدين هى سر إبداعهم، لكنهم حين يصبح حديث الاضهاد هو الرائج يسارعون بالتدوين معبرين عن تأصل (اضطهاد القبطى فى الوعى المصري)، ويسردون نماذج من ذكريات لاضطهاد المسيحى المصرى من قبل المسلم المصري، فى حوادث لا يُعَبِّر مجملها إلا عن حالة تغييب لأصل الشخصية المصرية انحرف بها عن مسار حميميتها فسقطت فى بئر الانسحاق الذى يفيض كلما حانت الفرصة بجرعات سحق للغير، ليستوى عنده اضهاد المرأة أو المعاق أو الملون أو حتى الحيوان. إن هذا الواقع لا يبدو منفصلاً بحال من الأحوال عن واقع النظام المعنى بحماية الحمى وأول مراتبه حماية الوعى المستهدف، من سهام التشتيت ومعاول التفتيت ومفخخات الفتن، وهذه المسئولية الرسمية تحيلنا إلى تساؤل محدد حول (استراتيجية إدارة الأزمات فى دولة 30 يونيو ومدى وضوحها فى وعى كل مسئول تصدر ليحمل أمانة الوطن فى زمن استهداف هدم سافر الخصومة؟). وحين يكون الحديث عن الاستهداف فإننا لا نتحدث فقط عن مشروع الإرهاب الداعشى أو الإخوانى إلا باعتبارهما مجرد أداة فى مشروع استهداف أوسع يحمل عنوان (الشرق الأوسط الجديد) أو (العالم الجديد) كما توصفه الإدارة الأمريكية وتبارك طرحه نظيرتها الانجليزية ويتنظر تعميد ميلاده نظام عالمى يسير فى ركابهما. وحين يكون التوصيف لعقيدة الاستهداف، فينبغى علينا أن نراجع ما يصرح به السفاح المجرم أبو بكر البغداي، وما يصدر عن عصابته من نشرات، لنكتشف أن تكفير جميع الخصوم هو أرض انطلاق الهجمات التترية لتنفيذ عمليات جز الرءوس وتفجير الأبدان وفرض شِرْعَة الفزع العام، ولا فرق فى ذلك بين مسيحى ومسلم، كما يستوى فى الاستهداف السنى مع الشيعي، والصوفى مع غير المتدين، الكل كفار مالم يبايعوا أمير الدم، وكل من يُبايع كافر إن فكر فى مخالفة الأمير! وحين نقرر أن نوسع دائرة استيعاب مخطط الاستهداف، فلا بد من العودة إلى فتوى تنظيم الإخوان الدولى الصادرة فى 27 مايو 2015 والمعنونة ب (نداء الكنانة)، والتى أصلت لأبناء التنظيم استحلال استهداف الدولة المصرية وأوجبت على كل مناصرى التنظيم فى العالم دعم حرب إخوان مصر على الوطن ونظامه وأهله، (الحكام –الحكومة –القضاة -ضباط وجنود الجيش والشرطة -علماء الدين الرسميين وغيرهم -الإعلاميين –السياسيين -كل من يثبت عداؤه للتنظيم من المواطنين)! وحين نقف على هكذا تفاصيل، نكتشف بسهولة أن المواجهة التى لا علاقة لها بمسيحى ومسلم، تنطلق أصلاً من مشروع اجتثاث الأوطان ونهش لُحْمَة مواطنيها، وبالتالى نستوعب أنه لا استثناء فى الاستهداف على أساس ديني، ووفق منشورات عصابات القتل المسماه (داعش)، فإن تعميماً صادراً فى أحدث نشراته حدد أهدافاً مصرية آنية تتمثل فى (الأزهر وشيخه – الكنيسة –الطرق الصوفية)، كان هذا التعميم قبل جريمة (الكنيسة البطرسية)، والتى سبقها استهداف لشيوخ الصوفية فى العريش ورفح والشيخ زويد. وهنا يطرح الضمير الوطنى تساؤلات الواقع الحرجة (لمصلحة من يتم تفريغ المواجهة من عمومية الاستهداف بحصره فى استهداف مسيحيى سيناء؟)، ثم (لماذا يتم تفتيت مشهد الصمود المصرى المتوحد فى مواجهة تتار العصر باعتبار أنه يهدد مسيحيى مصر فقط؟)، وأخيراً (من المستفيد من فرض الإعلام مصطلحات من عينة الإجلاء والتهجير القسرى لمسيحيى سيناء فى توقيت يعتبر ضبط المصطلح جزءا لا يتجزأ من تكتيك معركة مصر المصيرية ضد الإرهاب؟). إن هذه الأسئلة لا تحمل صفة (الحرجة) رفاهية، وإنما هو الطرح الواجب حيث إن ما لا يتأتى الواجب -الذى هو المواجهة الحقيقية والصادقة للإرهاب- إلا به فهو واجب، وتحقيقه مسئولية المفوض بالإدارة، وهو أمانة مرحلة يتشاركها جميع المصريين ويدفع فاتورتها الكل دونما تمييز. وطرقاً لباب المكاشفة أملاً فى أن يفتح على وطن عفى قادر، باتت معركة الصمود المصرية بحاجة مساة إلى رؤى وطنية جامعة توحد مصادر المعلومات، وتضبط طرح المصطلحات، وترصد خطاب الاستهداف تفنيداً وتوعية، وتؤهل متصدرى المشهد لبيان الحقيقة المستند على أرضية وطنية جامعة وبراهين منطقية للتشكيك مانعة، وتصوغ للدولة الحضور فى مشاهد إغاثة الملهوف من مواطنيها، حضوراً يمتد لما بعد حضور الكاميرات، ويستر عن المتربصين ما ينكشف من العورات، ويرسخ لقيم المساواة بين المواطنين دون تمييز لأعراق أو ديانات. وأخيراً فى مساحة لا تتجاوز 8% من أراضى سيناء، تدور رحى معركة مع تتار العصر، يرابط على ثغورها مصريون يؤمنون بالوطن حمى، وبالله إله الحق عقيدة تكلف بالدفاع عن الحمى، ويشاركهم فى دفع فاتورة المعارك أسرهم المزروعة فى كل بقاع مصر، تماماً كما يقاسمهم أهل سيناء وجع المعارك، دماء تنزف وأقواتاً تضيق وغربة تفرض نفسها، إنها معركة وجود فى عالم جديد متوحش يسعى ليسود، موزعاً الكفر على الجميع ماداموا قرروا الإيمان بأوطانهم. لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى;