كثيرون منا يلجأون سواء فى أوقات ضيقهم أو للتخلص من وطأة الإحساس بالوحدة للقيام بتصرفات غريبة مثل كتابة رسائل لأشخاص غير موجودين، أو لمخاطبة الجماد والحيوانات وربما أيضا يتحدث بعضنا مع الزمان مثل الشاعر العربى الكبير أبو القاسم الشابى الذى خاطب الزمن غاضبا.. يا أيها الزمن المذل لأهله *** ومغير الدولات عن حالاتها...إن كان عندك يا زمان بقية *** مما تهين به الكرام فهاتها. .................................... لكن لا يتوقع أحد من هؤلاء أن يتلقى ردودا على رسائله من الزمن مثلا أو الورد أو الوقت أو الحب وما غير ذلك، وبالتالى لا يمكن لأحد أن يتخيل موقفه إذا تلقى هذا الرد.. هذه باختصار الفكرة الرئيسية التى تدور حولها أحداث فيلم «الجمال الجانبي» للنجوم ويل سميث وإدوارد نورتون وكييرا نايتلى وهيلين ميرين وكيت وينسلت، وهو امتداد لأفلام التدفق العاطفى والتحليل النفسى التى قدمها من قبل ويل سميث مثل «السعى للسعادة» عام 2006، و «سفن باوندز» عام 2008، وأخيرا «ارتجاج» عام 2015. الفيلم يصنف ضمن أفلام «الطاقم الموحد» وهو تعبير هوليوودى يطلق على الأفلام التى يشارك فيها أكثر من نجم ويتم الاتفاق على كتابة السيناريو بحيث يضمن كل منهم مساحة متساوية من الظهور على الشاشة، وأن يحمل دوره نفس القدر من الأهمية مع الأدوار الأخرى. تدور قصة الفيلم حول هوارد إنليت (ويل سميث) الذى ينشئ وكالة ناجحة للإعلان مع شركائه ويت ياردشو (إدوارد نورتون) وكلير ويلسون (كيت وينسلت) وسيمون سكوت (مايكل بينا). يؤمن هوارد بأن الحياة البشرية تتمحور حول 3 محاور أساسية هى الحب والوقت والموت، وهو ما يعبر عنه فى المشهد الأول بالفيلم بقوله «الحب والوقت والموت.. هذه الأشياء تجمع كل البشر، فنحن نشتاق إلى الحب ونتمنى أن يكون لدينا مزيدا من الوقت، لكننا نخشى الموت». لكنه يدخل فى حالة اكتئاب وعزلة بعد وفاة ابنته الطفلة ذات السنوات الستة متأثرة بمرض السرطان، وتتأثر أعمال الشركة وتقترب من الافلاس مما يدفع شركاءه لمحاولة عزله من منصبه قبل انهيارها. يقترح عليهم أحد المحامين إثبات عدم أهلية هوارد لممارسة عمله لإجباره على التخلى عن حصته التى تمثل النسبة الأكبر فى الشركة، وبالتالى يبدأون فى تكليف تحرية خاصة بتعقبه واكتشاف ما يساعدهم على إثبات عدم اهليته. تكتشف التحرية أن هوارد يكتب رسائل لكل من الحب والوقت والموت بشكل منتظم ويضعها فى صندوق البريد. فى هذه الأثناء يصادف ويت «آمي» (كييرا نايتلي) الممثلة المسرحية الشابة ويعرف أنها تجهز لعرض مسرحى مع زميليها «بريجيت» (هيلين ميرين) و «رافي» «جاكوب لاتيمور) لكن تعترضهم صعوبات مالية تحول دون ظهور العرض للنور. يتفتق ذهن الشريك عن فكرة جهنمية أن يؤدى الممثلون الثلاثة أدوار المحاور التى يراسلها هوارد وهى الحب والوقت والموت، ويحاولون التواصل معه فى أماكن عامة وتصويره ثم حذف هؤلاء الأشخاص من الفيديو المصور بالفوتو شوب ليبدو وكأنه يكلم نفسه. يبدأ الجميع فى تمثيل أدوارهم المقررة، بداية من «بريجيت» التى تؤدى دور الموت فتذهب للقاء هوارد فى حديقة عامة وتدخل معه فى نقاش جدلى حول ما كتبه لها، ثم تبدأ فى مطاردته فى الشارع حينما يتركها غاضبا. فى اليوم التالى يفاجئ هوارد فى مكتبه «رافي» أو الوقت ليدور بينهما حديث غاضب مشابها لما دار بين هوارد والموت، ويعقبه فى اليوم الثالث نفس المفاجأة ونفس الحوار بين هوارد و»آمي» أو الحب. حوارات هوارد مع الموت والوقت والحب تبرز فيها بعض الجمل التى تحمل حكما تستحق التوقف مثل قول بريجيت «أنا لا اراجعك فى طريقة ادائك لعملك، وبالتالى من الغريب أن تعطى نفسك الحق فى مراجعة طريقة ادائى لعملي». كذلك آمى حينما ردت على اتهام هوارد للحب بأنه خانه عندما سمح للموت بأن يأخذ طفلته بينما كان يضع كل ثقته فيه فتقول له «ان الحب لم يدعه يوماً، فهو كان فى ضحكة ابنته وهو الآن موجود فى ألمه على فراقها» وهى عبارة فلسفية عميقة دالة على أن الحب أو الأمل بمعناه الشامل موجود حتى فى أكثر لحظات الانسان حزنا. اسم الفيلم «الجمال الجانبي» يرمز إلى نفس المعنى السابق وهو أنه مهما كانت درجة السواد حالكة حول الانسان فهناك دائما جمال ما عالق فى أحد الجوانب. وإذا كانت القصة الرئيسية تدور حول حوارات هوارد مع الحب والوقت والموت، فهناك العديد من القصص الجانبية، أولها تخص شريكه «ويت» الذى خان زوجته فانفصلت عنه وتزوجت من رجل مرموق، ويعانى من عدم احترام ابنته الطفلة له، لكنه فى نهاية الفيلم يستمع لنصيحة من هوارد بأن لا يترك قيادة العلاقة فى يد ابنته، وإنما عليه أن يصر على التواصل معها مهما بالغت هى فى رفضها، وهو ما يفعله وتستجيب الابنة له. وهناك قصة السيدة التى يلتقيها هوارد فى ملتقى التنفيس عن الأحزان، والتى فقدت ابنتها أيضا وتحاول التواصل مع «سميث» لكنه يفر منها حتى نكتشف فى نهاية الفيلم انها زوجته التى انفصل عنها بعد وفاة ابنتهما، وأنها استطاعت على عكسه هو أن تتجاوز المحنة وتستوعب فقدانها لابنتها. ويستمر الأمر كذلك حتى تنجح فى مساعدته على مواجهة ألمه وتقبل الأمر الواقع عبر الاعتراف بفقدان ابنته. قصة ثالثة تخص الشريكة «كلير» التى أعطت عمرها للعمل ونسيت فى غضون ذلك حياتها الشخصية، فتحاول البحث عن متبرع بالمنى لتنجب طفلا من دون أب يشعرها بأن لها حياة بعيدا عن مقر الشركة. القصة الرابعة للشريك الأخير سيمون الذى يعانى مرضا عضالا ولا يريد أن يخبر زوجته عنه ويسعى لإبعاد هوارد من الشركة ليتمكن من ترك إرث مالى لعائلته، لكن «بريجيت» تنصحه بأن يخبر زوجته لأن احتفاظه بألمه نوع من الأنانية. مشهد النهاية يظهر فيه هوارد وقد عاد لزوجته المحبة التى ترمز للجمال الجانبى فى مأساته، ويظهر الممثلون الثلاثة وهم يتابعونهم من بعيد ثم يختفون فجأة وكأنهم فعلا ملائكة الموت والوقت والحب وليسوا ممثلين من البشر. بشكل عام يمكن القول إن «الجمال الجانبي» فكرة مبدعة ظلمتها سطحية التناول من جهة، و «حشر» كل هذا العدد من نجوم الصف الأول فى العمل دون تحقيق أى استفادة فنية منهم.