تبدى اختيار الرئيس الأمريكى « ترامب» للجنرال المتقاعد « مايكل فلين» مستشارًا للأمن القومى الأمريكى قبل استقالته أمس، باعثًا على البحث عن صيغ التحليل والتوافقات، وصولاً إلى ما يعنيه التلاقى بين الرجلين، ومرجعية تحالفهما؛ إذ ينتمى الجنرال «مايكل فلين» إلى الحزب الديمقراطى المنافس للحزب الجمهورى الذى ينتمى إليه الرئيس «ترامب». هل التمفصل بين الرجلين يشير إلى تفكير سياسى مستقبلى للولايات المتحدة داخليًا وخارجيًا؟ صحيح أن «مايكل فلين» تدعمه مسيرته العسكرية التخصصية المتميزة، فى متابعة الشبكات الإرهابية وتعقبها، وقد أهلته جدارته ونجاحاته المتتابعة أن يعينه الرئيس «أوباما» رئيسًا للاستخبارات الدفاعية الأمريكية عام 2012، لكنه أقاله من ذلك المنصب عام 2014، وذلك إثر إدلائه بشهادته أمام لجنة بالكونجرس، التى أفصح فيها «مايكل فلين» عن معاينته النقدية لسياسة الرئيس «أوباما»، مؤكدًا أن الشعب الأمريكى صار أكثر تعرضًا لخطر الإرهاب مما كانت عليه الحال قبل سنوات؛ وذلك لأن إدارة الرئيس «أوباما» تمارس محاصرة الرأى العام الأمريكي، بتغييبها متغيرات تنامى الجماعات الإرهابية مثل داعش، وبوكو حرام، والقاعدة، وطالبان، وتزايد أعدادها، وتسللها إلى المجتمعات الغربية. وفى عام 2014 كذلك صدر فى الولاياتالمتحدة كتاب « عودة الجهاديين»، للصحفى الأيرلندى «باتريك كوكبيرن»، المشهود له بالكفاءة والنزاهة والتفرد، الذى أعلن فى كتابه أن الولاياتالمتحدة فشلت فى قيادتها الحرب على الإرهاب، وأكد أن الإرهاب أصبح أكثر قوة، فى المنطقة والعالم، نتيجة الفشل الأمريكي، وأضاف كاشفًا أن تركيا ساعدت داهش والجماعات الجهادية، بأن أعطت لهما قاعدة خلفية آمنة لجلب الرجال والأسلحة بعبورهم تركيا وسوريا والعراق، كما شكك الكاتب فى جدية التحالفات الغربية مع بعض دول المنطقة، بوصفها الممول الأساسى للشراسة وسفك الدماء، كما أكد الكاتب أن وكالات الاستخبارات الغربية متورطة تورطًا كبيرًا على المستويات كافة، وقد أورد وصفًا لمقاطع ضخمة لفيديوهات سجلت من جبهات القتال، حيث يظهر لواء اليرموك يقاتل بالتعاون مع جبهة النصرة، إحدى أذرع تنظيم القاعدة، وعلق الكاتب بأن ذلك يعنى أن واشنطن كانت تمارس بكفاءة توريد أسلحة متقدمة لأعتى أعدائها، وبعد أن أحال الرئيس «أوباما» الجنرال «مايكل فلين» إلى التقاعد، من وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية، وأيضًا مساعده «ديفيد شيد» عام 2014؛ إذ بالجنرال «مايكل فلين» عام 2015، يمزق علنًا الأقنعة المضللة للدور الخفى للرئيس «أوباما» فى تأسيس تنظيم داعش، حتى أمسى نفوذه يشكل تهديدًا فى المنطقة العربية، وقد استند الرجل فيما أعلنه من معلومات إلى وثائق محظورة، تسجل الحقائق المحجوبة والمخفية عن الترائي، تم رفع الحظر عنها بموجب إجراء دعوى قضائية، وفقًا لقانون حرية المعلومات، وقد أكد الجنرال «مايكل فلين» أنه فى سياق هذا الكشف، يتبدى ّدعاء المفاجأة من قبل الإدارة الأمريكية عند ظهور داهش، ليس له أساس من الصحة؛ بل إن ما يحدث من عنف بارز منقطع عن سواه، هو النتيجة الطبيعية للدعم الذى قدمته الإدارة الأمريكية للمتطرفين، وذلك ما توقعته الاستخبارات الأمريكية عام 2012. هل إقالة الجنرال «مايكل فلين» واستمراره فى حفر وديان الصمت المخفية، كشفًا للحقائق، حرك الوعى النخبوى فى الولاياتالمتحدة؟ صدرت أيضًا دراسات عن ظاهرة «داعش»، منها كتاب «داعش: داخل جيش الإرهاب» عام 2015، للباحث الأمريكى « مايكل ويس»، والباحث السورى «حسن حسن»، وفى عام 2015 صدر كذلك كتاب «داعش دولة الإرهاب» للباحثين الأمريكيين «جيسكا ستيرن، وبيرجير»، تبدت دهشة مؤلفى الكتابين من حيازة التنظيم إنجازات تقنية ضخمة، وخاصة فى التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، وامتلاكه الاقتدار على محاكاة الإعلام الغربى فى تغطية الأحداث، واستحواذه على أشمل وسائل التواصل الاجتماعى وأسرعها، واستثمارها فى استجلاب المؤيدين. ترى من أين لهذا التنظيم تلك الصلاحة، والجدارة، والاقتدار التقني؟ ومن أين له تلك الأموال المتدفقة؟ وفى يوليو عام 2016 أصدر الجنرال «مايكل فلين»، كتابه «ميدان القتال» الذى شاركه فى تأليفه «مايكل ليدين»، المستشار السابق لمجلس الأمن القومى الأمريكي، حيث انتقد الكتاب استراتيجية إدارة الرئيس «أوباما» فى محاربة الإرهاب، لعدم امتلاكها القيادة الواضحة من أجل مواجهة مخاطره، فوصف سنوات حكمه بأنها «اتسمت بتسييس الاستخبارات الأمريكية، من خلال التلاعب بالاستنتاجات والتحليلات والمعلومات الاستخباراتية، لتناسب الرواية السياسية المطلوبة، وذلك ما شكل دائمًا إطارًا غير واقعى للتعامل مع المخاطر»، ويشير الكتاب إلى انتقاده فجائية قرار «أوباما» بالانسحاب من العراق، دون التنبؤ بنتائجه رغم التحذيرات العديدة المتوقعة والممكنة، التى تتجلى فى خلق فراغ أمنى كبير، خاصة فى عدم وجود جيش وطنى قادر على القيام بمهامه، وذلك ما تأكد بصعود داعش وسيطرته على مساحات شاسعة من أراضى العراق وسوريا. صحيح أنه لا يمكن ضبط التجاوزات، إلا بتفعيل مؤسسات حماية الشأن العام، فهل صحيح أن هناك غيابًا للمراقبة والمحاسبة من قبل كيانات مؤسسية سياسية وقانونية تحمى الشأن العام الأمريكي؟ يبرز النقد الحاد متجددًا عبر الكتاب لإدارة «أوباما» فى تعامله مع الإرهاب والتطرف، وقضايا الشرق الأوسط؛ إذ «اتبعت سياسة لفت الأنظار عن الحقيقة، من خلال خطاب مفرغ من الحقائق، ومن المعطيات الواقعية التى تنذر بمخاطر على الأمن القومى الأمريكي». ثم يطرح الكتاب خمس أولويات لمواجهة الإرهاب، تشمل مفرداتها شرحًا لما يخدم الصياغة الأمنية الشاملة للسلطة والمجتمع، التى تتبدى في: «1-أولوية الأمن القومى على التوازنات السياسية.2- ملاحقة المتطرفين وتتبعهم.3-الداخل قبل الخارج، وتعنى مواجهة المتطرفين أساسًا بالولاياتالمتحدة. 4- تغيير السلوك، ويعنى إجبار الدول الداعمة للإرهاب على التوقف. 5- تصحيح الأفكار المغلوطة؛ إذ الحرب على الإرهاب هى حرب أيديولوجية». صحيح أنه لا دلالة إلا إذا ترافقت مع ما تدل عليه، والصحيح أيضًا أن علاقة التمفصل بين الرئيس «ترامب» والجنرال «مايكل فلين» كانت سوف تجسد قدرتها على الإشعاع بدلالتها، فى ضوء تحول العلاقات ومداهمات أحداثها، وتفسير بعضها البعض، والصحيح أيضًا أن الجنرال «مايكل فلين» يدرك أنه ليس شرطًا أن تكون عضوًا بالحزب الديمقراطي، كى تكون مواطنًا أمريكيًا حقيقيًا، إذ من خلال منصبه أدرك سلبيات حزبه، وكيف أن إدارة الرئيس «أوباما» ورطت مجتمعه فى تحالف سرى مخز مع الإرهاب، لكن الصحيح كذلك أن الجنرال «مايكل فلين» رفض التماهى والخضوع، وخاض بإرادته معركته، دفاعًا عن وطنه، فقد أدرك أن علة الإرهاب تكمن فى صاحبه وحده، وأنه لا بد أن يواجه، وأن تصحح له الأفكار المغلوطة، فواصل نضاله ولم يبرحه. صحيح أن «الديمقراطيين» بتحالفهم السرى مع الإرهاب، استهدفوا تقسيم الشرق الأوسط وفقًا لمشروعهم، باحتراب المسلمين ضد المسلمين، فهل صحيح أنهم سيمارسون بث وباء التشرذم فى المجتمع الأمريكي، حتى لا يتحول الوعى النخبوى إلى وعى جماعى ؟ لمزيد من مقالات د. فوزى فهمى