الشعب المصرى العظيم غير العالم. انها جملة كثيرا ما رددها القادة والخبراء، وأخيرا بدأت تتضح الحقيقة فالدول الغربية مستعينة بطوابيرها من الخونة والمأجورين ومغسولى العقول والمرتزقة شنت هجمة من نوع جديد أطلق عليها الخبراء "حروب الجيل الرابع" وأطلق عليها الخبراء فى الغرب "الحرب الهجين". و"الحرب الهجين" باختصار هى كما عرفها الخبراء بأنها استراتيجية عسكرية تجمع بين الحرب التقليدية والحرب غير النظامية والحرب الالكترونية المعلوماتية. وخطط "الحرب الهجينة" يضعها السياسيون والاقتصاديون وليس العسكريون، ويتعرض البلد الذى يستخدم الحرب الهجينة لأدنى الخسائر، ومع مرور الوقت يتوقف عن تحمل التكاليف المالية ويحول هذه النفقات إلى البلد الذى يتعرض للهجوم، محافظاً فى الوقت نفسه على أرواح جنوده. ولدى خوض "الحرب الهجينة"، يستخدم ما يسمى بالهجوم المعلوماتى الذى يمكن أن يستمر لمدة تتراوح ما بين 5 إلى 10 سنوات، وفى هذه المرحلة تتشكل فى البلد الذى يتعرض للهجوم قوى معارضة السلطة من أعداد الشباب ذوى الميول المضادة للسلطة، ثم يجرى الضغط الخارجى من خلال الوسائل الاقتصادية، وذلك تمهيدا للثورة "الملونة" وتغيير النظام الحاكم. وكقاعدة، فإن استخدام الوسائل العسكرية يكون فى حده الأدنى، أو أنه يجرى تنفيذ عمليات "الحرب الهجين" على شكل هجمات موجهة عن بعد من دون استخدام قوات برية. وقد نجح الغرب باستخدام هذا النوع "الخبيث" من الحروب فى تدمير عدد كبير من الدول بداية من الإتحاد السوفيتى السابق ودول أوروبا الشرقية فى نهايات الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن العشرين وصولا إلى تدمير وتفكيك عدة دول عربية (سوريا والعراق وليبيا واليمن) بداية من عام 2010 وحتى اليوم. ولكن يبدو أن تيار إستخدام "الحرب الهجين" قد بدأ فى الإنحسار عقب الهزيمة الكبرى فوق أرض مصر. فمصر فضحت الأسلوب الخبيث وخرج الشعب المصرى إلى الشوارع فى يونيو 2013 دفاعا عن وحدة الوطن وسلامة أراضيه. وتلى ذلك الإنتصار فضح وإسقاط الحكومات الغربية التى وقفت وراء إستخدام "الحرب الهجين" ضد الدول العربية فى المنطقة. وفى أمريكا رفض الناخب هيلارى كلينتون التى وقفت وراء إستخدام أسلوب "الحرب الهجين" ضد الدول العربية فى المنطقة. واليوم بدأت مراكز الأبحاث الغربية فى التحذير من تبعات إستخدام الدول لأسلوب "الحرب الهجين". وتم تحديد العوامل التى يمكنها أن تتسبب فى الإضرار بالدول الغربية التى تلجأ للإستعانة ب"الحرب الهجين" ضد الدول الأخرى. وكانت كما يلى : أولا، أن الدول الغربية قد تضطر إلى خوض نضال من أجل تنسيق عملية صنع القرار على مختلف مستويات السلطة بسرعة كبيرة. وستؤدى الضوابط والتوازنات إلى تعقيد تنفيذ عمليات ناجحة من "الحرب الهجين"، شأنها فى ذلك شأن المنافسة المؤسسية والبيروقراطية والتنافس الداخلى. وسيكون على تلك الدول أن تعمل ضمن إطار قانونى مشروع واضح المعالم، دون خرق حدود النظام الدستورى الخاص بها وقواعد القانون الدولى. وفى حالة الحرب أو الطوارئ التقليدية يمكن تعليق أو وقف العمل بهذه القوانين مؤقتا، ولكن فى حالة "الحرب الهجين" فإنها فى كثير من الأحيان تحتل مساحة فى مكان ما فى المنطقة الرمادية بين السلم والحرب. وفى مثل هذه المناطق الرمادية سيكون على الديمقراطيات الليبرالية أن "تصارع" وسط صعوبات جمة لحشد المؤسسات العامة والدولة للمشاركة فى تلك الحرب. ثانيا، تكون "الحرب الهجين" بمثابة التحدى للديمقراطيات من وجهة النظر الأخلاقية. فهناك بعض العناصر - مثل الإرهاب أو توظيف الجريمة المنظمة كوكلاء فى تلك الحرب - المصنفة على أنها خارج الحدود المسموح بها للديمقراطيات، مما يقلص من إستخدام الأدوات الخاصة بها من تكتيكات هجومية يمكن الإستعانة بها فى "الحرب الهجين". وعلاوة على ذلك، يكون على القادة فى تلك الدول الديمقراطية توليد والحفاظ على قدر من الدعم الشعبى لأعمالهم لإضفاء الشرعية وتبرير خياراتهم وقراراتهم التى يقومون باتخاذها فيما يتعلق ب "الحرب الهجين". وسيكون من الصعب على الحكومات الديمقراطية تحقيق الإستمالة الكاملة لوسائل الإعلام المحلية لإجراء عمليات المعلومات المرتبطة ب"الحرب الهجين". وفى الوقت الذى يكون فيه تبنى التكتيكات الخاصة بحرب الهجين تحديا لشرعية الحكومات الديمقراطية فى بعض الحالات، فإنها فى كثير من الأحيان تمثل تحديا للمشروعية، على المستويين المحلى والدولى. ثالثا، وأخيرا، تفتقد الديمقراطيات الغربية إلى الميزة النسبية فيما يتعلق بالإعتماد المتبادل على المستوى العالمى. فالمجتمعات الغربية تعتمد على البنية التحتية الدولية، وعلى الوصول إلى أسواق رأس المال والطاقة والموارد الطبيعية. وبالتالى فإن تحول هذه التدفقات العالمية إلى أسلحة فى الصراع دائما ما يحمل تكلفة المباشرة (مثل معركة البترول أثناء حرب 1973). وهكذا بدأ دعاة "الحرب الهجين" (حروب الجيل الرابع) فى التراجع وفتح دفاترهم لحساب الخسائر بعد الدروس التى لقنهم إياها الشعب المصرى اليقظ والنتائج العكسية التى إنهالت على رؤوسهم وفى مقدمتها أزمات تدفق ملايين المهاجرين وتزايد خطر الإرهاب فى قلب دولهم وما تبع ذلك التهديد من خسائر إقتصادية وأمنية بل وضحايا من البشر. والسؤال الملح حاليا هو : ألم يكن إتباع الغرب لإستراتيجية "الطيب أحسن" أفضل مما أصبح عليه العالم اليوم فى ظل "الحرب الهجين" (حرب الجيل الرابع)؟! الواقع يقول بعدم وجود "طيبين" فى العلاقات الدولية وإنما توجد دول قوية متحدة شعوبها متقدمة تمتلك الروح الوطنية والإرادة الصلبة لتحقيق النجاح والتقدم. لمزيد من مقالات طارق الشيخ;