يبدأ عصر الأقباط بنهاية حكم البطالمة وبداية حكم الرومان (عام 31 ق. م.)، ولعل السؤال المهم هو إذا كنا نقول إن كلمة «قبطى» تعنى «مصرى» فكيف نقول إن هذه هى الحقبة القبطية، ولماذا لا يطلق هذا على فترة الفراعنة؟ وهذا لأن كلمة «فرعون» من الكلمة القديمة ابر-عوب أى البيت الكبير. ومن هنا يكون الاسم مرتبطا بحكم الفراعنة. أى أنه منذ سقوط البطالمة الذين حكموا باسم الفراعنة وصورتهم وطقوسهم لم تعد مصر تحت حكم الفراعنة، ولكن ظل المصريون قديما وحديثا هم الأقباط، أو حسب التعبير الدارج Egyptian. وبعد نهاية حكم البطالمة صارت مصر تابعة للإمبراطورية الرومانية، فأصبح شعب مصر أى الأقباط يحكمهم الرومان (32 ق.م.) وبذلك انتهى عصر الفراعنة. فقد كانت مصر فرعونية الحكم حتى وقت البطالمة فحينما جاء الإسكندر إلى مصر شعر بانبهار بالحضارة، ودخل معبد آمون فى الواحات وانحنى أمامه وطلب من كاهن المعبد أن يكون هو ابن آمون. وقد خرج وهو يشعر بأنه ابن آمون وتم تتويجه كفرعون حسب التقاليد المصرية وارتدى التاج الفرعونى وقبل العقائد المصرية. وأوصى حينما يموت أن يدفن فى مصر بجانب والده آمون. وأمر ببناء الإسكندرية التى صارت فيما بعد مركزا عالميا للمعرفة والحكمة، خاصة بعدما قام بطليموس الثانى بتكوين مكتبة الإسكندرية داخل معبد السيرابيوم المعبود الجديد الذى صنعه البطالمة وهو عبادة توفيقية بين آلهة اليونان والفراعنة. وقام «مانيتون» الكاهن المصرى بترجمة ما وجد فى مكتبات المعابد الفرعونية وعمل نسخة منها يونانية وقد كتب «مانيتون» تاريخ الفراعنة وهو المرجع المهم الذى يخبرنا بأسماء الملوك الفراعنة وتاريخهم. وصارت الإسكندرية جامعة ثقافية وكانت تجمع بين أجناس مختلفة مصريين ويونان وعرب ويهود وفينيقيين، وقد زارها مؤرخ يونانى اسمه «بوليبوس» عام (116 ق. م.) وقال: «المدينة يسكنها ثلاثة أجناس مواطنون مصريون وهم جنس ذكى متحضر، وجنود مرتزقة وإسكندريون أجناس مختلطة». وبعد موت الإسكندر حكم البطالمة مصر بروح فرعونية إلا أنهم قد أصبحوا فى حالة ضعف شديد مع بداية ظهور قوة الإمبراطورية الرومانية التى كانت كعادة كل القوى العالمية قديما وحديثا أن تهتم بالسيطرة على مصر لأنها هى قلب العالم وعامل قوى فى تاريخ البشرية. وإن كانت مصر فى هذه الفترة لها ثقل اقتصادى قوى بجانب ثقلها السياسى والحضاري، فقد كانت مصر هى سلة غلال العالم وحقول مصر من أهم مصادر الغذاء. وقد حاولت روما منذ أن صارت قوية التدخل فى مصر. وما أشبه الليلة بالبارحة فهذه القوى الجديدة كانت تريد استعمار مصر فبدأت بالهيمنة السياسية، ولكن مع ضعف حكم البطالمة تدخلت عسكريا إلى أن أصبحت مصر تابعة لروما. وبدأت قصة النهاية حين ذهب بطليموس الثانى عشر إلى روما طالبا منها الاعتراف به لأنها ادعت كذباً أن سابقه الحادى عشر الذى حكم عشرين يوما قد أرسل وصية أعطى فيها حكم مصر للرومان. وقد دفع بطليموس الثانى عشر رشوة مالية باهظة كى تعترف به روما وبعد وفاته عام (51 ق.م.) أوصى بحكم مصر لابنته الشهيرة كليوباترا البالغة من العمر ثمانى عشرة سنة، وأخيها الأصغر بطليموس الثالث عشر. وبعد فترة انفردت كليوباترا بالحكم فجمع أخيها جيشاً يسانده الإسكندريون ليطرد أخته التى فرت إلى الحدود الشرقية وجمعت جيشاً من البدو وبدأت تزحف إلى الإسكندرية لاسترداد عرشها وكان فى ذلك الوقت صراع على الحكم بين الإمبراطور الرومانى «بيمبوس» و«يوليوس قيصر». وانهزم ز«يمبوس» وهرب إلى مصر التى كانت تربطه صداقة قوية بحكامها أملا منهم فى مساعدته فى استعادة عرش روما ولكن بطليموس أمر أحد الضباط بقتله على سواحل مصر حتى لا تكون ذريعة للقيصر أن يغزو مصر. وجاء يوليوس قيصر إلى الإسكندرية وقد وجد الصراع على العرش وتدخل فى حسم هذا الصراع إلا أن كليوباترا زارته فى قصره فى الإسكندرية واستطاعت أن تجذبه بجمالها وهام فى غرامها فوقف بجانبها وحارب أخيها حربا ضارية انتهت بموته وإعلان كليوباترا ملكة على مصر عام 47 ق.م. وفى العام التالى ذهبت إلى القيصر وعاشت معه فى قصره مدة سنتين أنجبت منه ابنها سمته «قيصرون» من علاقة غير شرعية. وكانت مكروهة جدا من كل رجال روما وحكمائها حتى إن «شيشرون» الفيلسوف قال بصراحة فى إحدى رسائله:«أنى أكره الملكة» وكانت هى أحد الأسباب المهمة التى جعلت خصومه يجتمعون ضده لقتله لأنهم خافوا من أن يحكم روما قيصرون وكليوباترا وتصير روما تابعة لمملكة مصر. فاغتالوا يوليوس قيصر. وبدأت مرحلة الصراع بين أوكتافيوس بن يوليوس قيصر بالتبني، ومارك أنطونيوس قائد الفرسان وانتهت بتقسيم الإمبراطورية ولايات شرقية لأنطونيوس وغربية لأوكتافيوس. وتزوج أنطونيوس بأخت أوكتافيوس. وبدأت كليوباترا ترمى شباكها على أنطونيوس لتثبيت عرشها فى مصر الذى هام بها غراماً هو أيضاً ولأجلها ترك أخت أوكتافيوس. وبدأت حروب وصراعات انتهت بهزيمة أنطونيوس، وحينما سمعت كليوباترا بهذا انتحرت وانتحر بعدها أنطونيوس عام 30 ق.م. وبالرغم من موتها ولكن كان العالم كله يدرك قوة هذه المرأة حتى إن «إيدرس بل» يقول: «اثنان أذلا روما وجعلا أنفها فى التراب حنعبل القائد الفينيقى وكليوباترا ملكة مصر». وبموتها وقتل ابنها قيصرون انتهى عصر الفراعنة الحكام وتحولت مصر من دولة مستقلة لها حاكم يجلس على عرش الفراعنة إلى ولاية رومانية تابعة لإمبراطور روما يفعل بها وبشعبها كيفما شاء. وبدأت مصر تزرع لروما، وتنتج لروما، وفُرضت آلهة روما لطمس الهوية المصرية وشيدت المعابد الوثنية واستخدم المعابد اليونانية البطلمية فى العبادة الجديدة، وفرضت الجزية والضرائب على كل الشعب. وبدأ عصر الأقباط أى المصريين الذى ليس لهم فرعون، وبالرغم من هذا لم يستطيعوا أن يمحو هوية المصريين ولا عقيدتهم ولا عاداتهم بل ظلت الهوية المصرية والشعب المصرى عنصرا فعالا فى التاريخ والحضارة كما سنرى فى المقالات المقبلة بإذن الله. كاهن كنيسة المغارة الشهيرة بأبى سرجة الأثرية لمزيد من مقالات القمص أنجيلوس جرجس