في صدفة لم يخطط لها المنظمون بندوات قاعة «سهير القلماوي» في مبنى «صندوق التنمية الاجتماعي» جاءت جلستا مناقشة كتابي «شبرا.. إسكندرية صغيرة في القاهرة» للدكتور «محمد عفيفى»، و«صنايعية مصر» لعمر طاهر، بمثابة مرثية واحدة من جزءين للقرن العشرين في مصر، حيث سجل الأول حنينه وذكرياته كمؤرخ وابن مصر الكوزموبوليتانى في الإسكندرية وشبرا مصر، ونعى الثاني زمن الرواد المصريين أصحاب الحرفة والطموح في مجالات عدة. ناقش كتاب «صنايعية مصر» للكاتب الصحفي عمر طاهر, ضمن ندوات «جذور المستقبل»، الكُتَّاب وسام سعيد، وهالة منير، وأدارها الصحفي محمد عبد الرحمن. وبعد التعريف بالكاتب وكتابه الذي نشر مسلسلا في ملحق الجمعة بالأهرام، أشادت هالة منير بإلقاء الضوء على «صنايعية مصر» في القرن العشرين،أو الآباء المؤسسين لكثير من الأنشطة والأعمال بعد خوضهم معارك وقيامهم بمبادرات لا يمكن نسيانها، وهي أسماء خلفت وراءها صنعة لا تقارن بفهلوة هذا الزمن كما وصفها وسام سعيد. وأشار عمر طاهر في حديثه إلى أن الكتاب استغرق وقتًا لجمع مادته لعدم وجود أرشيف لهذه الشخصيات، وردًا على اعتراض أحدهم على العنوان أوضح أن كلمة «صنايعية» كلمة مصرية لها قيمتها واحترامها لأنها تنطبق على أي مبدع في عمله من الوزير للخفير ولا تقتصر على أصحاب الأعمال اليدوية. وأضاف طاهر:« تتعرض كتبي وغيري للقرصنة بعد وقت قليل من صدورها بعض الأحيان يتم تزويرها في أقل من أسبوع، وكتاب «أثر النبي» الذي تبرعت بحصيلة بيعه لبنك الطعام تم تزويره، وهو ما يقودنا إلى المزور الذي «ينشل» أموال الصناعة ويدمرها لصالحه كفرد، وهو ما حدث مع صناعة الأغاني والسينما، ويتم بالطريقة نفسها مع صناعة الكتاب. وأدار ندوة كتاب «شبرا.. إسكندرية مصغرة في القاهرة» لكاتبه د.محمد عفيفي رئيس قسم التاريخ بجامعة القاهرة والأمين الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة، د.شوكت المصري، وناقشه د.صالح محروس، والكاتبة عواطف الشربيني، والصحفي سيد محمود رئيس تحرير جريدة القاهرة، وأشار شوكت المصري إلى أن الكاتب راو حكاء في ثوب مؤرخ رصد الحاضر منطلقًا من الماضي في إطار أدب الكتابة العلمية. وعن اختياره لشبرا قال عفيفي أنه لم يأت تعصبا أو تحيزا لانتمائه لها، ولكن لدراسته للتاريخ التي مكنته من رؤية تاريخ الحي كصورة مصغرة لتاريخ قاهرة القرن العشرين، فضلًا عن أهمية دور الحي في إنعاش الحياة الثقافية والفنية المصرية كما فعلت مدينة الإسكندرية التي يجمع بينهما التشابه الجغرافي من كورنيش مدينة بحرية وحي نيلي حيث المكان الأمثل لأهم المسارح والأنشطة الفنية. وأكدت الكاتبة عواطف الشربيني ابنة إحدى عائلات شبرا الشهيرة أن غلبة السكان المسيحيين في الحي لم يكن بأمر ذي بال لأن شبرا كانت رمزا للتعايش السلمي. وأشاد د.صالح محروس بحيوية الكتاب الذي لم يكتف بالاقتصار على الوثائق التاريخية بل امتد ليشمل الوثائق المرئية من السينما والصورة كما اعتمد على الروايات الشفهية وهو ما يلفت النظر للعمل على إنشاء وحدة لتسجيل شهادات المشاهير عن أحيائهم وقراهم، والدعوة لإقامة مؤتمر لكتابة تاريخ القاهرة العريقة. ولخص سيد محمود انتماء الكتاب إلى مدرسة التاريخ الاجتماعي وعلى رأسها الراحل رءوف عباس، حيث يتم دفع دماء جديدة للتأريخ بدمج أكثر من أداة لجمع المادة، وقد نجح المؤرخ في تقديم كتاب سردي ينطوي على خبرة ذاتية وليس تاريخا بالمعنى المدرسي، وقد نجح في متابعة تاريخ التحول الاجتماعي ما بين صعود وهبوط بين مدينة وحي.