رهان مكتبة الاسكندرية فى مؤتمرها الدولى الثالث لمكافحة التطرف ( 17 19 يناير الحالي)على انتفاضة عالمية أمر مشروع وقابل للتحقيق على المستوى النظرى والعملى أيضا، ولكنه يواجه من الناحية الواقعية عقبات جمّة، من أهمها: تعدد مسارات الانتفاضة، واختلافها بين الدول وداخل كل دولة، بل وبين العناصر المكونة للقوى المعادية للتطرف، ومن هنا يأتى السؤال التالي: مَنْ سَيَنْتَفِض مع مكتبة الاسكندرية؟!. المشهد العام يكشف عن انتفاضة واسعة ضد التطرف والارهاب، ليس فى مصر وحدها ولا فى الوطن العربى فحسب، انما عالمياًّ، لدرجة أنه يشمل اليوم معظم الدول بغض النظر عن ثقافاتها ومواقفها السياسية ووضعها الاقتصادى وموقعها الجغرافي، ولكن هذه الانتفاضة لم تتحول الى ثورة، ولن تتحوّل، لسببين رئيسين، أولهما: عدم الاتفاق حول أسلوب المواجهة، فضلا عن تعريف الارهاب، وثانيهما: أن الارهاب نتاج سياسي، قبل أن يكون دينيا، حتى لو سلَّمنا بتوسع دائرة الأصوليات المعاصرة ذات البعد العقائدي. هناك عدم تسليم بالبحث عن حل يخرج البشرية من دائرة الخوف الراهن المرتبط بالعمليات الارهابية، الى دائرة الأمان المشترك، رغم ما نلاحظه من تحوّل فى الخطاب الدولى لجهة الادعاء والعمل كما هو ظاهر على مواجهة الارهاب . ولكن لا يتم ذلك ضمن رؤية تبحث عن علاج لمرض عالمى عام، وانما تسعى لعلاج دول وشعوب على نطاق معين، يحدده الموقع الجغرافي، أو الجانب الحضاري، أو الخصوصية المجتمعية والحضارية، وهذا الشكل من التعاطى مع الظاهرة سيؤدى الى مزيد من الصراع على المستوى العالمي، وقد ينتهى الى نشوء بيئات مُنَفِّرة تنهى ما تعارف عليه تاريخيا فى تجربتنا الاسلامية بدار السلام، أو ما يعرف فى عالمنا المعاصر طبقا للتجربة الغربية ب المجتمعات الديمقراطية. يوما بعد يوم تضيق علينا الأرض بما رحبت، وقد تكون التجربة المستقبلية للبشر فى هجرتهم المنتظرة الى كوكب المريخ ان نجحت محاولة غير مقصودة للهروب من التطرف والارهاب، وكذلك الأمر بالنسبة للأعمال البحثية ذات الطابع المعرفي، المتصدية للارهاب والتطرف، لذلك تعتبر مداخل لفك طلاسم هذا التمدد القاتل والاجرامى للسلوك البشري، والذى ينذر بنهايات تعيد ما هو مسجل فى الذاكرة الجماعية للبشرية منذ زمن غابر وموغل فى القدم، وفى الظلام أيضا، ما يعنى أن المواجهة تبدأ من الفكر، على أن يترافق بأساليب أخرى فى كل المجالات بدءا من الجوانب العسكرية والأمنية مرورا بالسياسية والاقتصادية وليس انتهاء بالرياضية. من المنطلق السابق يمكن لنا النظر الى المؤتمرات التى دأبت مكتبة الاسكندرية على تنظيمها كل سنة منذ 2015 لمواجهة التطرف، وهى فى الأيام الماضية عقدت مؤتمرها الثالث، الذى أخذ بعدا دوليا لجهة المشاركة، اذْ ما كنا لنصل الى موضوعه اليوم لولا أن سبق ذلك وضع ملامح أولية لاستراتيجية عربية لمواجهة التطرف فى المؤتمر الأول، وأيضا لولا الجهود البحثية الواضحة فى المؤتمر الثانى للمكتبة، والذى حمل عنوان صناعة التطرف: قراءة فى تدابير المواجهة الفكرية العام الماضى (2016)، وهى فى كل ذلك تعيد الينا بصائر الرؤى لندرك أن كوكبنا أكبر وأوسع من أن يضيق بفعل التطرف والارهاب. ان المتابعة العملية لنشاط مكتبة الاسكندرية ليس فقط الخاص منه بمواجهة الارهاب يلاحظ أنه يحمل رؤية واعية، وينفذ خططا استراتيجية، ويراهن على دور المكتبة فى دفع مصر والدول العربية ودول العالم التى تجاوبت معها نحو الرشاد واخراجها من التيه، ومع أن البعض ينتقد طرق الجدل والحوار وأصحابها لجهة القول: لاجديد فى هذا النوع من الدراسات،وأن هذه المؤتمرات لن توقف العملية الارهابية، بل هناك من قارن بين تنظير الكتاب والمفكرين وفعل الجماعات الارهابية، وانتهى الى فشل الفريق الأول ونجاح الفريق الثاني، مع هذا وغيره، الى أن ما تقوم به مكتبة الاسكندرية يزرع الأمل، ويرى المستقبل أفضل من الحاضر، ولولا كانت مؤتمرات المكتبة السنويةتحقق فقط لقاء الكتاب مع بعضهم كل عام لدراسة التطرف، على ما فى ذلك من نقائص، لكانت كافية، فمابالك وهى تحدث تغييرا فى طرق التفكير وتثرى المعرفة، وتزوّد الباحثين بالمعلومات والحقائق داخل مصر وفى الدول العربية، وُصولاً الى عدد من الدول فى آسيا وأوروبا وأمريكا. وبغض النظر عن أهمية ما تناقشه مكتبة الاسكندرية من قضايا على طول أيام السنة وما تقوم به من نشاطات، فانها وكما يُفْهَمُ من المحاضرة التى ألقاها الدكتور اسماعيل سراج الدين فى ختام مؤتمر العالم ينتفض.. متحدون فى مواجهة التطرف تصنع الحدث، وتتوقع ما سيحدث، وتترقب بعين المراقب والباحث الهزات الكبرى محليا وعربيا ودوليا، لذلك تشد الرحال اليها، وهى أيضا تشدّ الرحال الى داخل مصر وخارجها ( الوطن العربى ودول العالم) مٌحمَّلةً بنور المعرفة وبمسئوليات تاريخية، فيها ومن خلالها تبرز قوة مصر الناعمة، التى تراجعت فى السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ. ولأن مكتبة الإسكندرية على النحو السابق، فإن الجميع سينتفض معها، تجاوبا ومحبة وضرورة وحاجة ملحة، وهى بعملها المتواصل، تُشْهِد التاريخ على ذلك الحضور المُتميِّز والدَّافع للتغيير، وفى سعيها المتواصل الى شراكة حقيقية مع المراكز والمؤسسات البحثية العربية والدولية الأخري، تُحرِّك المنطقة من حولها، وتُخرج الدول العربية من دائرة انتاج الارهاب الى عالم الانتاج المعرفي.. انها بيتنا العربى الكبير، وجسرنا المفتوح نحو عوالم الآخرين، وهى الثابت الذى لا يتغير من ناحية العطاء المعرفي، حتى حين تعصف بنا رياح الخلافات السياسية ذات اليمين وذات الشمال. لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه;