حتى الدكتور محمد البرادعى كان ممن اكتفوا بالتوقف عند الجانب الشكلى فقط فى موضوع إذاعة مكالماته المُسرَّبة ولم يول الأبعاد السياسية أدنى اهتمام، بل اكتفى فى تعليقه بالتهكم بأن عملية التسريبات «إنجاز فاشى»! وبرغم وجوب إدانة مبدأ التسريبات وإذاعتها خارج النظام العام الذى يجيزه القانون، فإن للسياسة مقتضيات أخرى تُلزِم السياسى على إبداء التفسيرات والتبريرات، أو الإنكار، لما هو منسوب إليه، وهو ما قد لا يقل فى أهميته عن المسائل الشكلية. وذلك، على الأقل، احتراماً للرأى العام الذى صار طرفاً بعد سماعه ما سمع، خاصة أن بعض ما جاء على لسان البرادعى يصم فيه بعض النخب ممن كان يتعامل معهم، وكان يبدو وقت مكالماته أنه يأخذهم بجدية، بأنهم حمير وحيوانات وجهلة ومتخلفون..إلخ، بل، أيضاً، فإن رأيه فى الجماهير لم يكن إيجابياً!! ولا يتجاوز أيُ مُعلِّق على الأحداث المنطق إذا اعتبر ما هو منسوب له صحيحاً، ليس فقط لأنه لم يحاول دحضه، وإنما أيضاً لأن المضمون يجيب عن علامات استفهام كبرى حول أسباب عدم مشاورة الدكتور البرادعى فى قراراته المهمة لأحد ممن كال لهم هذا السباب، أو حتى إطلاعهم عليها قبل أن يعرفوها مع الجماهير العريضة، مثل قراره المهم فى الاستقالة من منصب نائب الرئيس الذى أوصلوه إليه بضغطهم وإلحاحهم على أن يكون هو بالذات من يمثلهم فى سُلطة ما بعد 30 يونيو. فإن الحمير لا تُستشار فى مثل هذه الأشياء! ومرة أخري، ينبغى تجاوز الحكم الأخلاقى على أوصافه، والنظر فى المضمون الذى يعوزه التبرير فى تساهله فى بخس الآخرين أقدارهم مع الاستعلاء الشخصى دون سابق خدمة فى المجال. إبداء عدم الاكتراث بالرد بجدية على مضمون ما هو منسوب إليه، علامة أخرى على محدودية المهارات السياسية التى كان يجب أن يتحلَّى بها من كان فى وضعية البرادعي. وهذا بالطبع لا يقلل من تقدير كفاءاته الأخرى كموظف مرموق فى مؤسسة دولية كان لها دور مهم فى لحظة تاريخية محددة. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب;