لحظات فارقة وتاريخية تلك التي سبقت اعلان المستشار فاروق سلطان رئيس اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة فوز المرشح الاخواني محمد مرسي في الانتخابات. التي كتبت عهدا جديدا لمصر بعد الثورة ودخول البلاد لعصر الجمهورية الثانية التي ستكتب باللون الاخضر نسبة الي التيار الاسلامي. فمشاعر الآلاف الذين اقاموا في ميدان التحرير وملأ الامل قلوبهم بفوز محمد مرسي قبل اعلان النتيجة تحولت لفرحة غامرة بمجرد نطق المستشار سلطان بالنتيجة, بعد اطالة ارهقت اعصابهم تماما وزادت من خوف بعضهم لتكون هذه الاطالة مقدمة لاعلان فوز الفريق احمد شفيق. بيد ان بمجرد نطق سلطان بالنتيجة التاريخية, انفرجت اسارير الآلاف من المشاركين في الميدان وخيامه العديدة التي تلونت بألوان متفرقة سياسيا, منها الاخواني والسلفي والليبرالي والازهري. واذا كان الميدان لم يشهد سوي جهاز تليفزيون واحد أحاط به المئات لدرجة ان الرؤية تشوشت تماما بسبب الضغط, فان عشرات مكبرات الصوت نقلت عبر الموبايلات تفاصيل المؤتمر الصحفي للجنة العليا, واذا تشوش الصوت في احداها انتقل مستمعوها الي مكبر اخر. جميع من تحدثت معهم( الأهرام) قبل اعلان النتيجة توقعوا فوز محمد مرسي, ولما لا, فكلهم اما ينتمون الي التيار الاسلامي والاخوان تحديدا, او لتيارات ليبرالية اخري تدعم عملية التغيير السلمي في مصر, ليكون رئيس الجمهورية الثانية ليس من وجوه ما يسموه النظام السابق. مبررات وحيثيات امل كل هؤلاء في فوز مرشحهم هو ان جماعة الاخوان المسلمين بكل تاريخها رغم القمع الذي تعرضت له طويلا, قادرة علي دعم ابنها وهو يتولي هذا المنصب العريق الذي طالما انتظره الاسلاميون وقد تحقق املهم باعلان المستشار فاروق سلطان ذلك. هذا المستشار وزملاؤه في اللجنة العليا كانوا محط غضب واستياء قبيل دقائق من اعلان النتائج, خاصة عندما اطال سلطان في استهلاله للنتيجة وهو الوقت الذي حرق دم الآلاف في الميدان. واذا توقفت مكبرات الصوت لضعف البطاريات او انقطاع صوت الموبايلات, ارتفعت الحناجر بالتكبير والاستغفار, فالاستغفار يجلب الخير علي حد قولهم. وعودة الي مبررات وآمال فوز مرسي, فمدرس الرياضيات عصام رأفت لم يتوقع سوي فوز مرسي.. لماذا؟. فالمرشح الاسلامي سيكون قادرا علي ادارة الدولة الجديدة, لما للاخوان من خبرة اقتصادية وسياسية وبرلمانية, وعلينا جميعا ان نمنح الاخوان الفرصة, فان نجحت مددنا لهم ايدينا بالدعم والتأييد, وان اخفقت في ادارة امور البلاد, سنسحب دعمنا منها و نختار غيرها, وهذا هو تداول السلطة الحقيقي. المشهد في التحرير قبل اعلان النتائج يتقدمه مرسي وانصاره, واقتربنا من بعض الفتيات الموظفات وسألنهن عن رأيهن في المرشحين, فكان الرد جاهزا: محمد مرسي.. ولم يردن سواه, لانه في حالة فوز احمد شفيق, سيكون التزوير هو سيد الموقف, وهو ما لن نقبله جميعا. كلمة جميعا هنا تشير الي كل من في التحرير, لان البديل كان امرا مفزعا لمصر وهو اشتعال الموقف في مناطق عديدة. ومع ذلك تستبعد الفتيات ان يكون الاشتعال بالنار كما يتوقع البعض, ولكنه اشتعال ثورة سلمية جديدة في كافة انحاء مصر مع استمرار الاعتصام في التحرير, خاصة ان المظاهرات والمسيرات والاعتصامات لم تكن لفوز مرسي فقط, وانما لرفضهن الاعلان الدستوري المكمل والضبطية القضائية وحل البرلمان.. وكل موقف يتطلب في رأي المشاركين في اعتصام ميدان التحرير ثورة سلمية. قبيل دقائق من اعلان النتائج, سمعنا كثيرا عن المواجهة, فسألنا عن معني او مضمون المواجهة في عقولهم, فجاءت الاجابة سلمية سلمية فنحن لسنا بجماعة عنف ونحن ننشد السلام, فثورة25 يناير كانت سلمية وسنواصل سلميتها بعيدا عن أي عنف. المهندس حامد هريدي, حذر قبل اعلان النتيجة من مغبة تزوير النتيجة, فكل المحاضر التي نقلها الاخوان صحيحة ومختومة وموقعة بامضاء القضاة مسئولي اللجان الفرعية والعامة. هريدي رأي ان من المهم لمصر اجراء عملية تطهير لقوي الماضي وإن لم يذكر شفيق بالاسم, وانه من المهم ان نحتكم لحكم الصندوق طالما ارتضيناه كوسيلة ديمقراطية.. بيد ان هذا الاحتكام يراه المقيمون في ميدان التحرير قبل اعلان النتيجة هو ان يكون للنتائج التي اعلنها مرسي في مؤتمره الصحفي فجر يوم الاثنين الماضي. الشيخ محمد محمد عبد الرحمن النائب السابق في البرلمان المنحل قال: اتمني ان يحق الله الحق بمصر بكلماته والا يتلاعب احد في تغيير ارادة الشعب الحقيقية وان يجري الله الحق علي السنة هؤلاء في اشارة الي قضاة اللجنة العليا وهذا شرف لهم سيشهد لهم به التاريخ والناس جميعا. ويؤيده محمد يوسف النائب السابق ايضا عن الحرية والعدالة في سوهاج ويشاركه امنيته بان يحقن المولي عز وجل دماء المصريين الغالية ويسلم البلاد والعباد من كل شر. النائبان السابقان عن سوهاج حذرا من مغبة تزوير ارادة الشعب, لان الحرب لن تنتهي, وهنا اشارا النائبان الي بعض اخطاء المجلس العسكري في ادارة المرحلة الانتقالية في مصر. فقد قرر المجلس اجراء محاكمة مبارك في شهر يونيو وكذلك اجراء الانتخابات الرئاسية والاعادة في شهر يونيو وحل البرلمان في شهر يونيو, وبالتالي كان المشهد قريبا من الانفجار. وتوقع النائبان في حالة اعلان فوز مرسي تجدد الحرب, التي وصفاها بانها سجال يوم للمجلس واخر للشعب, والله دائما مع الشعوب ومطلع علي ما في الاسارير. لقد افترض الميدان قبل اعلان النتائج واقع ان تأتي النتيجة بالمرشح احمد شفيق, ووضعوا من الدلائل ما تبرر افتراضاتهم, مثل حشد الجمهور في منطقة المنصة كما فعل النظام السابق بحشد الجماهير المؤيدة له في ميدان مصطفي محمود, وبهذا يكرر المجلس العسكري والحكومة نفس اخطاء النظام السابق. المخرج الوحيد الذي تحدث به الموجودن في التحرير ما بين قبل وبعد اعلان النتيجة النهائية هو العمل علي اللحمة الوطنية والترابط والثقة بالله من قبل ومن بعد وبالصدفة مررنا بجوار مصور اخباري الذي طالما نقل مشاهد الثورة والتحرير للمشاهدين, ولكن لم ينقل احد عنه مشاهده هو الشخصية ورؤيته للموقف.. المصور اسلام صالح رأي المشهد بعين مجردة بعيدا عن الكاميرا التي يحملها معظم ساعات يومه الطويل تحت الامطار والشمس الحارقة, فالهم عنده هو نقل الصورة حقيقية للمشاهد, اما سؤالنا له فكان عن رأيه الشخصي فيما يراه, فقال انه مع محمد مرسي, ولكن هذا لا يمنعه من التقاط جميع المشاهد حتي وان لم تتناسب مع موقفه الشخصي من المرشح. وحذر اسلام صالح من تأخير بث المؤتمر الصحفي الذي ارهق اعصاب الالاف في التحرير وزاد من حيرتهم, وإن تجلدوا بالتكبير والتهليل والاستغفار. وما ان نطق فاروق سلطان بالارقام الدالة علي فوز مرسي, حتي نسي الجميع حرارة الجو داخل الخيام والشمس الحارقة خارجها, حتي تهللت اساريرهم جميعا وانطلقت حناجرهم بالتكبير والتهليل والاستغفار, ولكن هذه المرة ليس قلقا من اعلان النتيجة وانما حمد وشكر لله الذي عوضهم خيرا بفوز مرشحهم محمد مرسي. ولم تمر سوي ثوان معدودة حتي امتلأ الميدان عن اخره حيث توافد العشرات ثم المئات والالاف اليه ليشاركوا من فيه فرحتهم برئيس مصر الجديد محمد مرسي. اللافت ان بعضا ممن بالميدان تعرض لحالة اغماء من الفرحة العارمة فيما كانت الزغاريد من نصيب النسوة اللاتي شاركن الرجال فرحتهم, ولم نلحظ تفرقة في الخيام بين رجل وامرأة, فالمكان جمع الجميع, اخوانيا وسلفيا وليبراليا, رجل وامراة.