حدث ما تخوفت منه في مقالي المنشور بعدد7 يونيو الماضي عندما كتبت' يستطيع الشعب بالتصويت الكاسح للدكتور مرسي أن يمنع كارثة.. لأنه إذا فاز مرسي بفارق بسيط(حسب النتائج غير الرسمية), فإن هذا قد يفتح الباب لشرور لا نهاية لها.' وهاهي الاتهامات تنطلق بسبب ما تردد حول تسويد البطاقات الصادرة عن المطابع الأميرية لصالح الدكتور مرسي, والجميع يضع يده علي قلبه خوفا مما سيحدث في حال أعلنت اللجنة فوز الفريق أحمد شفيق, والمسئول الأول عن هذا الوضع هم أنصار الثورة الذين أثبتوا بجدارة أن كراهيتهم للإخوان تفوق حرصهم علي الثورة وحبهم لمصر, فأطلقوا دعوات المقاطعة وإبطال الأصوات. إن قرار اللجنة الانتخابية بتأجيل إعلان النتيجة يعني أن هناك إحتمالا بإعلان فوز شفيق, في هذه الحالة, سيكون جميع الوطنيين قد أدركوا فداحة أخطائهم في حق الثورة, سواء إعترفوا بذلك أم لا.. الإخوان عندما إستفزوا الحلفاء قبل الخصوم, بتقديم مرشح للرئاسة, بالرغم من أنه كان في مقدورهم دعم أحد المرشحين الآخرين مثل د.سليم العوا.. والعلمانيون الذين ساعدوا المجلس العسكري في إنقلابه علي الثورة, بتشويه وشيطنة الإخوان في الإعلام من أجل ضرب شعبيتهم.. والسيد حمدين صباحي برفضه أن يكون نائبا لشخصية كبيرة لها تاريخها النضالي المعروف, إننا ندفع ثمن السذاجة وحسن النية المفرطين اللذين تعاملنا بهما مع المجلس العسكري, وهما أمران لا يتلاءمان مع السياسة وألاعيبها, إن ما جري هو درس مهم مفاده: لا تأمن أبدا لخصومك, واعمل علي إستباقه بتحصين نفسك من ضرباته. إن الدستور لا يصبح دستورا إلا بعد إستفتاء الشعب عليه. وكذلك فإن أي إعلان لا يصبح دستوريا إلا باستفتاء الشعب عليه. وطالما أن المجلس العسكري لا يبالي برأي الشعب في الإعلان الذي أصدره مؤخرا, وحيث أننا لسنا قطيعا يسوقنا أي حاكم كيفما شاء, فإن ما صدر عن المجلس هو في الحقيقة لا يتعدي كونه إعلانا إنقلابيا, هذا الإعلان يجعل منصب الرئاسة غير ذي قيمة, ويضع' مشروع النهضة' الإخواني في الفريزر, وهذا معناه أن فوز شفيق يتلاءم تماما مع طبيعة وأهداف هذا الإعلان, ويعني أيضا أن علي الدكتور مرسي وجماعة الإخوان أن يتعاملوا مع فوز شفيق بهدوء, فيعودوا إلي الجماعة الوطنية لإعادة تقييم الأوضاع بمشاركتها. وعلي رأس الجماعة الوطنية, تأتي حركة'6 إبريل' التي أثبتت في الاختبار الأخير( جولة الإعادة) أنها الحركة الوطنية الأولي في مصر دون مبالغة, وأن قياداتها مصدر فخر واعتزاز لكل مصري, وبالذات هذه الفتاة الرائعة إنجي حمدي, التي أثبتت أنها أشجع وأشرف وأنقي من جميع أشباه الرجال الذين ركبوا سفينة الثورة لإحداث الثقوب بها, وسقطت عنهم الأقنعة خلال الايام الأخيرة, الآن فهمنا لماذا كانت هذه الحركة بالذات هي المستهدفة بإتهامات التخوين والعمالة منذ شهور. في تقييم الوضع المستجد, يجب أن يعترف الجميع بأخطائه, لأنه بدون ذلك لن نحقق الوحدة اللازمة لإعادة السيادة والقرار للشعب. لقد تناولت في مقالات سابقة أخطاء وخطايا الجناح العلماني في الجماعة الوطنية, وفيما تبقي من هذا المقال أتناول أخطاء جماعة( الإخوان المسلمين). صحيح أن قرار الإخوان بتقديم مرشح للرئاسة كان مدفوعا بنية طيبة, وهي أن يأتي رئيسا متوافقا مع الحكومة والبرلمان حتي يمكن إنجاز مشروع النهضة, والنهوض بمصر في أقصر فترة زمنية ممكنة.. غير أن هذه الأمور الحساسة لا تتقرر فقط بالنيات الطيبة, وإنما تتطلب قدرا من الفطنة والكياسة يأخذ ردود أفعال الخصوم ومخاوفهم في الاعتبار, أيضا فإن مصر ليست تركيا حتي تتشبه بها في الجمع بين الرئاسة ورئاسة الحكومة والأغلبية. إن إسرائيل غير متواجدة علي حدود تركيا, كما أن مصادر مياهها ليست تحت رحمة حلفاء إسرائيل. إن عوامل الاختلاف كثيرة بين مصر وغيرها من الدول الاسلامية التي نهضت بعد عقود من الاستبداد. غابت الفطنة والكياسة أيضا عن الإخوان في موقفهم المستهين بقوة الصحافة والإعلام ومدي تأثيرهما علي الرأي العام وتوجيهه, خاصة وأن المنابر الصحفية والفضائية تكاد تكون بأكملها تحت سيطرة خصومهم السياسيين, وهناك أحاديث لقيادات إخوانية عبرت من خلالها عن الإستخفاف بالحملات الإعلامية ضدهم, علي أساس أن شعبيتهم في الشارع راسخة لن تتأثر بهذه الحملات, هذا الإستخفاف أدي إلي قرار التقدم بالمرشح دون التحسب للإستغلال الإعلامي له والتعامل المغرض معه. وقد أدت حملات الشيطنة الشرسة تلك في الصحف والفضائيات القومية والخاصة, والتي عمدت لنشر الأكاذيب وتأليب الناس عليهم بالباطل( أكثر منه بالحق), إلي ضرب شعبية الإخوان إلي الحد الذي سهل عملية الانقلاب. من أخطاء الإخوان أيضا, هو ما لاحظته شخصيا من تقديم أهل الثقة والولاء علي أهل الخبرة والكفاءة, وهو مرض مصري مزمن, فالإخوان كما رأيت في ترشيحاتهم لمجلسي الشعب والشوري, يثقون فقط فيمن ينتمي إلي الجماعة. وعلي الرغم من أن البون شاسع بين إدارة جماعة وإدارة دولة, فإن عملية إتخاذ القرار ظلت محصورة في دائرة مجلس شوري الإخوان. وكان المنتظر في ظل الثورة, توسيع دائرة الشوري لتشمل نخبة الإسلاميين المستقلين والعلمانيين المعتدلين, والذين لم يبدي الاخوان حرصا واضحا علي إدماجهم واستطلاع أفكارهم ورؤاهم في عملية صنع القرار. لا بديل إذن عن عودة اللحمة إلي الصف الوطني. ولكن هذه المرة علي الجماعة الوطنية أن تحترس من الطابور الخامس, وتضع ميثاق شرف يلتزم به الجميع, علي رأسه التمسك بالديمقراطية وإحترام إرادة الشعب أيا كانت.