حكمت المحكمة الدستورية العليا بجلستها التى عقدت أمس برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق بعدم دستورية الفقرة الأولى بالمادة «10» من قانون تنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية المسمى إعلاميا «قانون التظاهر « . وقد استندت المحكمة فى حكمها على أن الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين « التشريعية والتنفيذية « قيودا لصون الحقوق والحريات العامة، و منها الحق فى «الاجتماع والتظاهر السلمى»، كى لا تقتحم إحداهما المنطقة التى يحميها الحق أو الحرية، أو تتداخل معها، بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة، و أصبح تطوير الحقوق والحريات من خلال جهود متواصلة لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة، مطلبًا أساسيًّا لتأكيد قيمتها الاجتماعية، وعلى ذلك، فعلى خلاف الوثائق الدستورية السابقة « دستور 2012 «، أخذ الدستور القائم على عاتقه طريقا أكثر تقدمًا وديمقراطية فى صونه حق «الاجتماع السلمى» وما يتفرع عنه من حقوق، فسلب المشرع الحق فى اختيار وسيلة ممارسة هذه الحقوق، وأوجب ممارستها «بالإخطار» دون غيره من الوسائل الأخرى لاستعمال الحق وممارسته كالإذن والترخيص، ولما كان «الإخطار» وسيلة من وسائل ممارسة الحق، الذى هو إنباء أو إعلام جهة الإدارة بالقيام ب«الاجتماع السلمى» و مارسة الحق للمُخطَر به، دون أن يتوقف هذا على موافقة أو عدم ممانعتها، وكل ما لها «جهة الإدارة» فى تلك الحالة أن تستوثق من توافر البيانات المتطلبة قانونًا فى الإخطار، وأن تقديمه تم فى الموعد وللجهة المحددين فى القانون، فإذا اكتملت متطلبات الإخطار واستوفى شروطه قانونًا، كان للمُخطِر «صاحب الحق فى الاجتماع السلمى» الحق فى ممارسة حقه، ولا يحق من بعد « لجهة الإدارة « إعاقة أو منع المُخطِر من ممارسة حقه أو تضييق نطاقه، وإن فعلت ومنعت التظاهرة أو ضيقت من نطاقها، تكون قد أهدرت أصل الحق وجوهره، وهوت بذلك إلى درك المخالفة الدستورية. ولا يعنى ذلك أن الحق فى «الاجتماع أو التظاهر السلمى» هو حق مطلق من كل قيد، خاصة «التظاهر السلمى» الذى يتم التعامل معه من جانب الأمن بدرجة أو بأخرى، حيث تتعارض ممارسة هذه الحقوق مع حقوق وحريات أخرى، مثل حق الأفراد فى التنقل والسكينة العامة، وغيرها، وهو إخلال يُغَض الطرف عنه، تغليبًا لحقى «الاجتماع والتظاهر السلمى» . وما دام العدوان على الحقوق والحريات الأخرى لم يبلغ قدرًا من الجسامة، فيكون محتمًا، التزامًا بالقيم الدستورية التى تعليها الدولة القانونية، أن يكون القضاء هو المرجع، فى كل حالة على حدة، تلجأ إليه « جهة الإدارة «، لأى سبب من الأسباب، ليقرر حينها القضاء المختص دون غيره، ما إذا كانت ثمة مصالح وحقوق وحريات أولى بالرعاية، تجيز منع الاجتماع أو التظاهرة السلمية أو تأجيلهما أو نقلهما أو تعديل مواعيدهما أو تغيير مسار التظاهرة، وذلك على ضوء ما تقدمه جهة الإدارة من دلائل وبراهين ومعلومات موثقة تقتضى ذلك وتبرره. إذ كان ذلك، وكانت الفقرة الأولى من المادة «10» من قانون تنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية قد خالفت ذلك، فمنحت وزير الداخلية ومدير الأمن حق إصدار قرار بمنع الاجتماع أو التظاهرة المخطر عنها أو إرجائها أو نقلها، فإنها تكون بذلك قد خالفت المواد (1/1، 73/1، 92/2، 94) من الدستور، ومن ثم يتعين القضاء بعدم دستوريتها، كما انتهت المحكمة الى سقوط الفقرة الثانية من المادة «10 « للارتباط الذى لا يقبل الفصل أو التجزئة بين نصى الفقرتين الأولى والثانية، وهو ما يتعين القضاء به. وفى شأن المادة «8» من القانون نفسه، قررت المحكمة أن الدستور قد خول المشرع تنظيم الإخطار بالاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات، وأن تلك المادة التزمت فى تنظيم الإخطار بما قدرت أنه الأنسب لتحقيق مصلحة الجماعة، والأكثر ملاءمة للوفاء بمتطلباتها، ومن ثم جاءت أحكامها فى إطار الضوابط الدستورية المقررة منضبة بتخومه. كما قضت المحكمة فى الجلسة نفسها بدستورية نص المادتين «7و19» من قانون تنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، واللتين تنظمان جريمة المشاركة فى تظاهرة دون إخطار الجهات المختصة، ترتب عليها تعطيل مصالح المواطنين وتعطيل حركة المرور، والعقوبة عليها. وأقامت المحكمة حكمها استنادًا على أن الجريمة المقررة فى المادة السابعة هى جريمة عمدية، موجهة إلى العدوان على أحد الحقوق والحريات والمصالح الواردة بهذه المادة، شريطة أن يتم العدوان فعلاً، موضحة أن المادة المطعون فيها تخاطب كل من شارك فى أى اجتماع أو موكب أو تظاهرة سلمية، سواء كان قد تم الاخطار عن تنظيمها قانونًا أم لا، حيث إن هناك فارقًا جوهريًّا بين من شارك فى تظاهرة مخطر عنها قانونًا وغيره، إذ إن من شارك فى التظاهرة وقد أعلن جهة الادارة يعد ذلك حقا قرره الدستور له يستوجب ممارسته قدرا من التسامح، لما يترتب عليه من مساس بحقوق وحريات أخرى، مثل حق الأفراد فى التنقل، وحقهم فى السكينة، وغيرها. لذلك فإن نص المادة «7» من قانون تنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية يكون منضبطًا بالضوابط الدستورية للتجريم، ولا يخالف مواد الدستور. وحيث إن العقوبة المقررة بمقتضى المادة «19 « من قانون « التظاهر»، لمن يخالف أحكام المادة «7» منه، هى الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين، والغرامة التى لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو إحدى هاتين العقوبتين، ما يجعلها من العقوبات المقررة للجنح لا الجنايات، وهى عقوبات تتناسب مع خطورة وفداحة الإثم المجرّم دون غلوّ أو تفريط، فقد أعطت هذه المادة للقاضى سلطة اختيار العقوبة التى يوقعها على كل متهم على حدة، بحسب ظروف الجريمة، كما لم تسلبه المادة خيار وقف تنفيذ العقوبة إن هو قدر ذلك، ومن ثم فإن النص المطعون فيه لا يكون قد خالف مواد الدستور.