منذ عام 2005 وحتى الآن لم تتوقف محاولات هدم وكالة «العنبريين» بشارع المعز، حرائق مفتعلة وطرق إطفاء غير علمية، وقرارات محليات نعرف جميعا ما يشوبها من فساد، حتى القضاء الملاذ الأخير لإنقاذها يتم التحايل عليه الآن باستباق تنفيذ قرار هدم قديم قبل أن يصدر حكم المحكمة بيوم واحد. وقبل عام تماما كتبنا فى «الأهرام» مطالبين بإنقاذ الوكالة التى كانت قد تحركت جحافل هدمها لتنفيذه وتوقفت المحاولة لتعود من جديد بنفس السيناريو والآلية والرجال، بينما وزارة الآثار ولجانها فى سبات عميق يعلنون أنهم يملكون تاريخ المكان وخرائطه على الورق ثم يكتفون بالصمت والتحسر، وكالة العنبريين أو التربيعة هى آخر ما تبقى من وكالات شارع المعز تنتظر الهدم خلال ساعات، فمن ينقذها، وهل ينقذها حكم المحكمة بعد غد؟!!. غدا وحسب ما تم إخطار أصحاب المحال والسكان سوف يتم هدم الوكالة الأثرية رجوعا لحكم محكمة عمره 11 عاما تم الطعن عليه وإيقاف تنفيذه، بينما ينتظرون بعد غد ، الإثنين ، حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بشأن تنفيذ قرار الهدم الصادر من محافظ القاهرة ورئيس حى الجمالية ومأمور القسم!!. وكالة العنبريين كما هى معروفة تاريخيا أو التربيعة كما يعرفها رواد شارع المعز لدين الله الفاطمى هى آخر ما تبقى من وكالات الشارع وبيوتها التى لم يلحقها الهدم، نسيج الشارع الأقدم والأجمل يتآكل فعليا ووزارة الآثار، قبل عام عندما نشرنا مطالبين بإنقاذها بعد أن كادت تهدم فعلا ما زالت لم تخرج لجانها، بأى تقرير يفيد تسجيل الوكالة بينما اعترف السعيد حلمى رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية وقتها بأن الوكالة تستحق التسجيل الأثرى لكونها احد أهم آثار شارع المعز وأقدمها وتأكيده أن الوزارة تمتلك مخطوطات بالمكان منذ بداية تأسيسه قبل 900 عام بينما ما زالت حججه كأحد الأوقاف الإسلامية تحتفظ بها دار الوثائق المصرية حتى الآن. وزارة الآثار لم يخرج كلامها عما هو معتاد هذه المرة أيضا، فالسعيد حلمى أشار وبعد مرور عام على تصريحاته السابقة ل »الأهرام« إلى أن اللجان الثلاث التى تم تشكيلها اختلفت آراؤها حول أحقية المكان بالتسجيل ربما لحالته السيئة داخليا وتعرضه لمحاولات تخريب متعددة، ولكنه أكد أهمية المكان تاريخيا ووجود وثائق بوزارة الآثار ومخطوطات تشير لهذا. وعن القرار الجديد الصادر من حى الجمالية لهدم الوكالة غدا، أكد انه لا يعلم عنه شيئا لكون المكان لم يتم تسجيله بعد وانه سوف يتخذ الإجراءات اللازمة لإيقاف القرار فورا. بغض النظر عن تصريحات «الآثار» التى تكتفى بتأكيد أثرية المكان دون تسجيله، ترى المهندسة ريهام عرام مديرة إدارة القاهرة التاريخية بمحافظة القاهرة أن عدم التسجيل احد أهم أسباب ضياع جزء كبير من تاريخ القاهرة الإسلامية وهدم عشرات المبانى من بيوت ووكالات أثرية لم يتم تسجيلها. وتضيف: «وزارة الآثار تشكو من ضعف الإمكانات المادية وعدم قدرتها على توفير الحماية أو الترميم لتلك الأماكن ولا تقوم بتسجيلها حتى لا تكون مسئولة عنها قانونا، وتكون النتيجة تعرضها للهدم باعتبارها مجرد مبان آيلة للسقوط». شريف الجاتى مالك أحد المحال بالوكالة اخبرنا أنه عندما بدأت محاولات الهدم وظهر عجز وزارة الآثار عن حماية الوكالة اقترحوا أن يسهموا فى ترميم الوكالة وتنكيسها وهو احد الأحكام التى أصدرتها محكمة، وهو ما تم تأييده فى محكمة الاستئناف فى عام2012 ولكن كل محاولاتنا فشلت وما زالت القضايا منظورة أمام القضاء ومن المتوقع أن يصدر حكم فيها بعد غد أى بعد يوم واحد فقط من قرار الهدم الذى تم إنذارنا بتنفيذه و دائما ما يلوحون بالحكم الذى تم الاستشكال عليه وصدرت بشأنه أحكام توقفه بل ان تقرير النيابة الإدارية الذى صدر فى أكتوبر الماضى أكد ضرورة تفعيل قرار تنكيس العقار ومخاطبة وزارة الآثار باتخاذ الإجراءات المناسبة لتسجيله والحفاظ عليه وهو التقرير الذى نعول عليه كثيرا فى حكم المحكمة المتوقع صدوره بعد غد، أى اليوم التالى للتاريخ الذى حدده حى الجمالية لتنفيذ قرار الإزالة للخطورة الداهمة وهى الكلمة التى يوصف بها المكان منذ 11 عاما ومع ذلك لم يسقط ولم يتعرض أحد لأذى بسبب الخطورة المزعومة. ناصر رمضان رئيس حى الجمالية، الذى ذيل قرار تنفيذ الهدم الأخير بإمضائه، عندما سألناه عن تنفيذ الهدم لم ينف ولم يؤكد، رغم وجود خطاب رسمى بهذا وأشار إلى أن المكان تم إخلاؤه من الناس دون البضائع والمنقولات وهو ما لا يمكن تفسيره سوى بأنه استعداد للهدم ، وبسؤاله عن أن الهدم سيسبق قرار المحكمة بيوم واحد أشار إلى أنهم ربما ينتظرون لحين صدور القرار!!. وما بين التسابق مع الزمن من جانب ملاك العقار الجدد لهدم الوكالة ومعها جزء أصيل من نسيج شارع المعز لدين الله، وبين جمود وزارة الآثار فى حمايتها بحجة ضيق ذات اليد ربما نستيقظ صباح غد لنجد وكالة العنبريين مجرد ذكرى جديدة لموت جزء من جسد المدينة.