ما بين فيلمى البر التانى والمخدوعون أكثر من اربعين عاما لكن فكر الشباب واحد. «المخدوعون» كتب قصته غسان كنفانى بعنوان (رجال فى الشمس) واخرجه المخرج الكبير الراحل الاستاذ توفيق صالح بعد تغيير الاسم الى فيلم (المخدوعون)عام 1973 وكان عن الهجرة غير الشرعية من فلسطين والاردن لبلاد البترول الكويت ودول الخليج عن طريق الصحراء ولكن نهايتهم الهلاك حرقا فى الشمس وقد صنف فى التاريخ السينمائى من اهم 100 فيلم سياسى فى التاريخ نظرا لاهمية القضية التى يطرحها الفيلم وفى فيلم (البر التانى) الذى قامت بتأليفه زينب عزيز واخرجه على ادريس ايضا عن الهجرة غير الشرعية عن طريق البحر وما بين الحرقة والغرقة تموت الاحلام. يحكى فيلم (البر التاني) عن مجموعة من الشباب تقرر الهجرة الى ايطاليا عن طريق البحر بطريقة غير شرعية بعد رفضهم العيش فى الوطن لاحساسهم بأنهم لن يستطيعوا تحقيق احلامهم فى الوطن ورغم معرفتهم مقدما بخطورة الرحلة التى قد تؤدى الى غرقهم او حتى اعادتهم للوطن مرة اخرى اذا تم القبض عليهم ولكنهم لا يهتمون فقط يريدون الهجرة حتى مع التكلفة العالية للرحلة التى تضطرهم للاستدانة بل وكتابة ايصالات الامانة التى قد تزج بأهاليهم للسجن .. القصة مهمة فهى من الواقع وتحدث الآن فى معظم القرى واستطاعت الكاتبة (زينب عزيز) التركيز على مفردات كثيرة لم نكن نعلم عنها شيئا فى هذه الرحلة مثل السماسرة وكيف يتم التعامل معهم وايضا مع احلام الشباب وكيفية تطلعهم للعيشة الكريمة ومافيا هذه السفريات كما انها استطاعت عرض حياة عدد من العائلات التى وافقت على سفر ابنائها تحت ضغط هؤلاء الابناء ومنهم عائلة تعمل فقط فى تحضير الخضار (تقميع البامية) لبيعها هذا كل ما تفعله هذه العائلة المكونة من اب ضرير (عبد العزيز مخيون وام (عفاف شعيب) لا تملك شيئا سوى عملها وابن (محمد على) يعمل فنى تكييف يحلم بأن يتزوج ويغير حال عائلته ويزوج شقيقاته البنات وعائلة اخرى تزوج عائلها حديثا عماد (عمرو القاضى) ولكنه لا يجد عملا حيث كل ما يعرفه الفلاحة وقد تحولت كل الاراضى الزراعية الى مبان فيقرر ايضا الهجرة والنجار مجدى (محمد مهران) الذى يريد ان يساعد امه ويسعدها فتوافق على سفره مضطرة .. ثلاث عائلات استعرض السيناريو حياتهم بتفاصيل كثيرة مما اضطره الى ان يقصر فترة البحر مقارنة ببداية الاحداث فكانت النتيجة عدم وجود الصراع بين الشخصية الصادمية والقبطان وسعيد ومجموعات ناس اخرى كان يجب ان يكون هناك تقارب بين المشاهد مع المجموعات على المركب بظروفهم وليس فقط سعيد وعماد ومجدى وحتى الولد الذى التقته زينب عندما شرعت فى كتابة السيناريو واخبرها ،انه رغم ترحيله سوف يعود مرة اخرى ، لماذا لم يكن له مرادف فى الاحداث سواء على الارض فى اليابسة او فى البحر ثلاثة صراعات افتقدها السيناريو مما جعل الرحلة البحرية ليست بالقوة رغم انها بطلنا الاساسى .. الممثل محمد على فى شخصية سعيد فنى التكييف يتهم انه يؤدى الدور لانه المنتج الحقيقى، ان اى شخص يشاهد الفيلم الذى يعتبر كل ابطاله من الشباب ووجوها جديدة سيكتشف ان اول ادواره ليس بالحجم الكبير فهى بطولة جماعية خصوصا على المركب بين سعيد وعماد ومجدى والقبطان ( خالد النجدى ) . وقد ادى الدور بتفهم للشخصية كما كتبت . عمرو القاضى فى شخصية عماد الابن والزوج الذى يريد ان يحقق نفسه بالسفر اكتشاف جديد لعلى ادريس فى شخصية جديدة لعمرو استطاع تأدية الدور بحرفية. محمد مهران فى دور مجدى «وحيد والدته» الذى يريد تعويض امه رغم بطولته السابقة للفيلم المثير للجدل (اسرار عائلية ) إلا أنه هنا فى شخصية مجدى ممثل بمعطيات جديدة فى شخصية مركبة فكان هو مجدى بكل حملها .. عبد العزيز مخيون فى شخصية الاب العجوز الضرير الذى يريد ان يحقق ابنه اى شىء الا انه لا يستطيع. خالد النجدى فى شخصية القبطان على الرغم من ادواره العديدة فى المسرح والسينما الا انه فى شخصية القبطان كان اكتشافا جديدا للمخرج استطاع تأدية الدور بتفهم بداية من ظهوره وحتى نهاية الدور ممثل جديد محترف عفاف شعيب فى دور الام رغم عدد المشاهد القليلة الا انها هى الام بكل حنيتها مختلفة عن ادائها لشخصيات الام التى قامت بادائها .. حنان سليمان ممثلة من طراز مختلف رغم ظهورها فى اربعة مشاهد فقط الا انها بكل جمالها لا يستطيع المشاهد نسيان هذه الشخصية .. احمد عبد الحميد والحلوانى وكل الشخصيات الاخرى بلا استثناء مشاريع نجوم جديدة.. التصوير: أحمد عبد العزيز بدءا من فيلم سهر الليالى وحتى فيلم البر التانى بتفاصيل حياة القرية من الفجر وحتى البحر صباحا ومساء تاريخ لمدير تصوير استطاع اضفاء الجو على الصورة حتى يرى المشاهد الحياة كما هى خصوصا فى مشهد الليل مع الاتوبيسات على البحر... المونتاج قام بالمونتاج ثلاثة اشخاص لكن لن تشعر باختلاف الايقاع حيث المخرج اساسا مونتير . الموسيقى رغم انها تعتبر من المفردات وتامر كروان من الموسيقيين الكبار الا انه لم يجعل الموسيقى مصرية بداية من التتر الذى وضع جملتين للعود على استحياء فكان يجب عليه تمصير الموسيقى اكثر ولكن اغنية محمد رشدى فى ختام الاحداث كانت فى خدمة الدراما. الاخراج على ادريس بداية من فيلم اصحاب ولابزنيس عام 2001 مرورا بافلام عادل امام التجربة الدنماركية وعريس من جهة امنية ومرجان احمد مرجان وحتى فيلم (البر التاني) الذى كان يجب عليه الاهتمام بالصراع الدرامى على المركب اكثر لنرى هذا المجتمع والنفوس التى لم تعرف بعضها وكلهم انواع باع الغالى والوطن لقد استطاع على ادريس ان يجعلنا نعيش مع هؤلاء الشباب بكل حماسهم وانكسار وعمل مشاهد كبيرة وجديدة على السينما المصرية فيلم (البر التانى ) يعتبر اول افلام على ادريس وهو يستحق المشاهدة ويكفى ان مهرجان القاهرة السنيمائى الدولى قد اختاره فى المسابقة الرسمية مع فيلم( يوم للستات )لكاملة ابو ذكرى .