فى عام 1925 أصدر الشيخ على عبد الرازق كتابه المعنون «الاسلام وأصول الحكم» وفيه أنكر الخلافة الاسلامية. إذ ليس لها علاقة بالاسلام. وإثر صدوره اجتمعت هيئة كبار العلماء بالأزهر وأصدرت حكماً بالاجماع بتكفيره ومصادرة كتابه وعزله من منصبه. وفى العام التالي، أى فى عام 1926، أصدر الفقيه الدستورى عبد الرزاق السنهورى كتاباً باللغة الفرنسية عنوانه:«فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية». وقد ترجمته إلى اللغة العربية نجلته الدكتورة نادية، وصدرت الترجمة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب فى عام 2013. وقال الدكتور توفيق الشاوى فى تقديمه للكتاب أن السنهورى عرض لفقه الخلافة كمصدر ل«أصول الحكم فى الاسلام» الأمر الذى يلزمنا بإعادة بناء الخلافة فى صورة منظمة دولية فى حالة تعذر إقامة دولة كبرى موحدة. وفى رأى الشاوى أن إلغاء الخلافة العثمانية فى عام 1924 هو الذى دفع السنهورى إلى تأليف ذلك الكتاب. والسؤال بعد ذلك: ما هى المبادئ التى يقوم عليها فقه الخلافة؟ الاجماع باعتباره مبدأ البيعة فى اختيار الخليفة التزام الأمة بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الانحراف عن مبادئ الشريعة تسقط ولاية الخليفة، ومن أنواعه خضوع الحاكم المسلم للنفوذ الاستعماري. وإذا كان فقه الخلافة مرادفا للحكومة الاسلامية عند السنهورى فالسؤال اذن: ما هى سمة التشريع الذى تعتمده هذه الحكومة؟ من اللازم أن يكون هذا التشريع تشريعاً سماوياً صادراً عن الله، ونُقل إلينا بوسيلتين: وسيلة مباشرة هى القرآن الكريم لأنه كلام الله الموحى به إلى رسوله. أما الوسيلة الثانية فهى غير مباشرة وتمثلها السَنة النبوية وهى الأعمال والأقوال المنقولة عن الرسول، ومن ثم يكون القرآن والسَنة المصدرين الأوليين للتشريع الاسلامي. إلا أن هذين المصدرين قد اكتملا بوفاة النبى محمد (صلى الله عليه وسلم). ومن هنا أضيف مصدرا ثالثا هو الاجماع أو بالأدق اجماع الأمة لأن الأمة هى التى تعبر عن الارادة الالهية وليس الخليفة لأن الخليفة لا يمكن أن يعطى لنفسه حق التعبير عن الارادة الالهية، أى أنه لا يملك أن يصدر تشريعاً، ومن ثم تكون سلطة التشريع لمجموع الأمة، أى يصدر التشريع بالاجماع، وفى هذه الحالة لن يكون متعارضاً مع مبادئ الخلافة. وهنا يلزم إثارة سؤال: ما هو الاجماع؟ قيل فى الجواب عن هذا السؤال إنه اتفاق مجتهدى الأمة فى عصر معين على حكم شرعي. ومع ذلك فثمة سؤال: ما مدى مجال الاجماع؟ هل هو فى حدود الأحكام الدينية والاجتماعية دون الأحكام الطبيعية باعتبار أن هذه الأحكام مستمدة من قوانين طبيعية؟ انقسم الفقهاء فى الجواب عن هذا السؤال فريقين: فريق يجيب بالايجاب وفريق آخر يجيب بالسلب فيضم الأحكام العقلية والحسية إلى الاجماع. ومع ذلك أيضا فثمة سؤال آخر يخص الاجماع: هل يشترط اتفاق اجماع المجتهدين أو اتفاق الأغلبية؟ وهنا أيضا انقسم الفقهاء فريقين. ومع ذلك أيضا فثمة سؤال: هل الاجماع ممكن؟ قيل فى الجواب عن هذا السؤال إنه ممكن بشرط امتناع تأويل النص الديني. ولكن ماذا يحدث إذا تخلى أحد عن هذا الشرط ومارس التأويل على نحو ما ارتأى الخوارج وانتهى إلى أن إقامة الخلافة لا وجوب لها لأن الشروط اللازمة للخليفة لايمكن توافرها فى جميع الأزمنة؟ تكفيره وتكفير أتباعه أمر لازم وإذا عاند وعاندوا فقتله وقتلهم أمر نافذ. ومن هنا قيل إن الدعوة إلى الخلافة من شأنها إثارة الفتن والحروب بين المسلمين. وأظن أن الشيخ على عبد الرازق قد أخذ برأى الخوارج فى كتابه «الاسلام وأصول الحكم». وبسبب ذلك اهتم السنهورى بتفنيد حجج هذا الشيخ التى تدور حول حجة تبدو قاطعة وهى أن النبى لم يقصد إقامة دولة اسلامية. إلا أن هذه الحجة، فى رأى السنهوري، مستمدة من المعنى الأوروبى المعاصر فى فصل الدين عن الدولة. ومن هنا أهمية ما قاله فى أوراقه الشخصية التى أشرفت على إعدادها للنشر نجلته الدكتورة نادية والدكتور توفيق الشاوى وأصدرتها دار الشروق فى عام 2005. ماذا قال فى 1/11/1921؟ «أريد أن يعرف العالم أن الاسلام دين ومدنية، وأن تلك المدنية أكثر تهذيباً من مدنية الجيل الحاضر». أليس هذا القول هو مغزى الدستور الراهن فى أنه دستور مدنى بمرجعية اسلامية؟ وأظن انه قد جاء الأوان فى إعادة النظر فى الدور الذى قام به السنهورى فى أزمة مارس 1954. لقد كان مؤيداً لثورة يوليو 1952 فى بدايتها ولكنه عاندها فى تلك الأزمة بدعوى أن عبد الناصر يقف ضد الديمقراطية أما هو فمع الديمقراطية. إلا أن عناده لم يكن فى جذوره على هذا النحو إنما كان مردوداً إلى تصادم عبد الناصر مع الاخوان المسلمين بسبب اصرارهم على إقامة الخلافة الاسلامية. وكان السنهورى منحازاً إليهم، وكان فى حينها رئيساً لمجلس الدولة فأعفى من منصبه. والجدير بالتنويه أن الجامعة الأمريكية بالقاهرة أصدرت كتاباً فى عام 1987 من تأليف أستاذة العلوم السياسية انيد هيل وعنوانه «السنهورى والقانون الاسلامى» وفيه دفاع عن رأى السنهورى فى اعتبار القانون المدنى قانوناً اسلامياً، وفى أن الشريعة الاسلامية كقانون ملائمة لجميع الشعوب التى تعيش فى «العالم المعاصر». وهذا هو السبب الذى من أجله أصيب السنهورى بنفس الصدمة التى أصيب بها العالم الاسلامى عندما ألغيت الخلافة فى تركيا فى عام 1924. وتأسيساً على ذلك كله يمكن القول إن الصراع مختل بين عبد الرزاق السنهورى والشيخ على عبد الرازق فهو لمصلحة الأول بلا منازع. وسؤال التحدى بعد ذلك هو على النحو الآتي: ما الفرق بين السنهورى والاخوان المسلمين؟ لمزيد من مقالات مراد وهبة;