من بين "الرئاسات الثلاث" المكونة للاتحاد الأوروبى - رئاسة البرلمان والمفوضية والمجلس - والتى تتخذ جميعها من العاصمة البلجيكية بروكسل مقرا لها، كانت رئاسة البرلمان الأوروبى الأكثر حدة وبعدا عن الدبلوماسية فى التعبير عن موقف الاتحاد من السباق الانتخابى نحو البيت الأبيض. وفى هذا السياق أكد مارتن شولتز، السياسى الألمانى المخضرم ورئيس البرلمان، أنه لا الولاياتالمتحدة ولا الاتحاد الأوروبى مستعدان لرئيس أمريكى مثل المرشح الجمهورى دونالد ترامب. وأضاف بعبارة قوية تعلن انحيازا غير معتاد : هو لا يملك أى خبرة دولية فى نظري، وينتمى إلى نوعية نعرفها جيدا هنا فى أوروبا لا تملك حلولا حقيقية لأى مشكلة، وإنما تعرف كيف تلقى باللوم على الجميع". ويضع شولتز يده على أحد أهم مخاوف الإتحاد الأوروبى من ترامب الذى يتبنى خطابا يمينيا متشددا تجاه المهاجرين إلى الولاياتالمتحدة، وهو التوافق مع موجة صعود أحزاب اليمين المتطرف فى معظم القارة الأوروبية هى الأخرى سواء إلى سدة الحكم أو المعارضة الرئيسية، حيث تنادى هذه الأحزاب بطرد المهاجرين إلى القارة العجوز وتبنى نفس السياسات العنصرية التى ينادى بها ترامب فى بلاده. وبالتالي، فإن خسارة هيلارى وفوز ترامب يعد ضربة قاصمة لسياسات التسامح والتكافل الإنسانى التى تعد أيضا قيما أوروبية يسعى قادة الاتحاد إلى الحفاظ عليها. ورغم أن كلا من رئاسة المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبى آثرت عدم التورط فى إعلان الدعم المباشر للمرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون أو معاداة ترامب انطلاقا من حساسية المنصب التنفيذى لجان كلود يونكر رئيس المفوضية ودونالد تاسك رئيس المجلس، فإن الحديث الدائر هنا فى كواليس الاتحاد الأوروبى يؤكد وجود قناعة تامة لدى صناع القرار فى بروكسل أن الخطاب السياسى للمرشح الجمهورى يمثل تهديدا مباشراً لتحالف تاريخى بين أوروبا والولاياتالمتحدة ترسخ عبر الإسهام الأمريكى فى تحرير أوروبا من الاحتلال النازى وإعادة إعمار القارة عبر مشروع مارشال، حيث يرى ترامب أن الالتزامات الأمريكية تجاه الحلفاء الأوروبيين باتت تمثل عبئا اقتصاديا على واشنطن، ولابد من إعادة النظر فيها. المدهش أنه فيما يتعلق بموقف حلف شمال الأطلنطى "الناتو" - الذى يتخذ أيضا من بروكسل مقرا له - من السباق الرئاسى الأمريكي، لا يبدو هو الآخر سعيدا على الإطلاق بمواقف وتصريحات دونالد ترامب.