"استمتع بالسيء.. فالقادم أسوأ".. عبارة تُقال كثيرا، في الحوارات العابرة، وتُقرأ في الكتب والمقالات، وتُسمع عبر البرامج والأثير؛ لتعبر عن عدم تفاؤل قائلها بالمستقبل، الأمر الذي يتعارض مع التعاليم القرآنية، والأحاديث النبوية، التي دعت إلى الاستبشار ب"القادم الأسوأ"، لكن لكل ظالم مستبد، وفاسد منحرف، ومنافق شرير. قال تعالى: "يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا"، (الفرقان: 22). يرى الكافرون الملائكة، وفق تفاسير عدَّة؛ عند الاحتضار، وفي القبر، ويوم القيامة؛ لا بشرى يومئذ لهم بالجنة، إذ كانوا يقولون من قبل، إذا نزلت بهم شدة، على عادتهم في الدنيا: "حِجْرًا مَحْجُورًا"، أي: "عوذا معاذا"، يستعيذون من الملائكة. وبمفهوم المخالفة، فإن غير المجرمين، يوم يرون الملائكة، تكون لهم البشرى، وهذا وعد الله. قال سبحانه: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ". (فصلت:30). فإن كنت مؤمناً حقاً، فلا تخف من المستقبل، ولا تحزن على الماضي، إذ المؤمن الحق لا يتأسف لقضاء الله، في ماضيه وحاضره ومستقبله؛ بل هو مستبشر دائما بالفوز. قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ". (التوبة: 111). لقد دعانا القرآن والسنة، إلى مواجهة الحاضر السيء، والمستقبل المظلم، بالبشرى الطيبة؛ ذلك أن القادم أسوأ بالفعل، لكن لمن لم يتب إلى الله، أو خالف هدي رسوله، أو نافق ولم يعتبر، أو طغي، وتجبَّر، وأفسد.. مع أنه: "والآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى".(الأعلى:17). إن "الاستبشار" حالة دائمة، تلازم المؤمن، فتستوي بالنسبة له: المحنة والمنحة.. والبلاء والجزاء.. والضرَّاء والسرَّاء.. فيعيش؛ مستبشرا، دوما، بفرج الله، وتوفيقه، ونصره، وتأييده؛ حتى يصبح وليا لله، مستحقا لتلقي البشرى من مولاه. قال سبحانه: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ".(يونس: 62-64). إن المرء يحتاج إلى البشرى، في دنياه وأخراه.. قالت خديجة، رضي الله عنها، للرسول، صلى الله عليه وسلم: "أبشِر؛ فوالله لا يُخزِيك الله أبدًا".(صحيح مسلم). وعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: "قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: "يَسِّروا ولا تُعَسِّروا، وبَشِّروا ولا تنَفّروا". (متفق عليه). بل حفَّز أصحابه، فقال لعمَّار بن ياسر: "أبشِر عمَّار، تقتُلُك الفئةُ الباغيةُ". (أخرجه الترمذيَ). وقال لعثمان: "ما ضرَّ عُثمانَ ما عمِلَ بعد اليوم". وأمرَ أصحابَه، وهم مقبلون على تغيير واقع الناس؛ بالتبشير. فقال: "ادْعُوَا النَّاسَ، وَبَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا، وَيَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا".(صحيح مسلم). والبِشارةُ تكون للمرضى أيضا. قال النبي، صلى الله عليه وسلم، لمريض عاده: "أَبْشِرْ، إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُ: "نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا، لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنَ النَّارِ فِي الآخِرَةِ." (رواه أحمد وابن ماجة والتِّرمِذي). كما تكون البِشارةُ للمشَّائين إلى المساجد، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم: "بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (صححه الألباني). وفي تبشير الأمة الإسلامية، قال أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: "بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ، وَالرِّفْعَةِ، وَالدِّينِ، وَالنَّصْرِ، وَالتَّمْكِينِ فِي الأَرْضِ، قَالَ: فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الآخِرَةِ لِلدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ". (أخرجه أحمد). والأمر هكذا، كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، مُبشِّرا، ونذيرا. قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا".(الفرقان: 56). وصدع بما أمره به تعالى من البشارة والنذارة، امتثالا لأمره: "وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا". (الأحزاب: 47)، وأمره: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ".(البقرة: 155)، و"وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ".(الحج: 37)، و"وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ". (الحج:34﴾. وهم: المُتواضعون لله، المُطمئنون إلى قضائه. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;