رغم أنها عطلة نهاية الأسبوع، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لا يهدأ ولا يعرف الراحة، فلم يكن في الأمر أدني مصادفة أن أنطلقت كلماته المؤثرة والتحريضية معا يوم السبت الماضي، من مدينة بورصا غرب تركيا التي كانت يوما عاصمة للإمبراطورية العثمانية التي يراد لها العودة من جديد بكل ما تحمله من أمجاد ، لكنه لا ينتبه (ولا أحد من معاونيه يجرؤ على أن يلفت نظره) أنه يقع في تناقضات جمة توصمه بأنه صاحب أطماع توسعية. فهو بعد أن شدد على عدم وجود مشكلة لدى حكومته مع سيادة أي دولة من دول الجوار، وأقر مقرا بإحترام الحدود السياسية الموجودة بين البلدان المتاخمة لبلاده ، سرعان ما أردف قائلا وذلك «رغم الغصة التي في قلوبنا»، وكأنه ينسف ما قاله، بيد أنه أضاف نصا أن «همنا الأول هو حماية أخواننا وتراثنا»، منوها بحواضر الحضارة الإسلامية المهمة في سوريا كحلب (ومنبتها العثماني)، التي كانت تحتضن نفائس المكاتب والمدارس التاريخية ، إلا أنها تحولت ركاما، بعد أن ضربت بلا رحمة ولا هوادة ( من قبل العلوي بشار الأسد ولا يتحدث عن روسيا تاركا إياها لإعلامه ). كذلك هو الحال في العراق، مثل كركوك والموصل ، وتمضي مفرداته في عنفوانها ساخرا «بعض الجهلة يأتون ويقولون ما هي الصلة التي يمكن أن تكون لنا بالعراق؟ ويجيب «هذه الجغرافيا التي نتحدث عنها الآن جزء من روحنا ... وهذا هو بيت القصيد. فالأخيرة التي كانت ضمن الأمبراطوريه العثمانية التي يريد إسترجاعها ولا يهم الثمن الذي يمكن أن يدفعه وظلت حكومات الحقبة الجممهورية طوال خمسة وعشرين عاما تحصل على 10% من عوائد نفط الموصل بضمان بريطانيا التي كانت تحتلها، لابد من وضع جديد لها يكون هو سيده ، لكن نورى المالكى ومن بعده حيدر العبادى رئيس وزراء جارته العراقية ، التي تشاركه تخوم ممتدة لنحو 350 كيلومترا، أصرا على حرمانه من أي إستنثاء، وكلاهما لم يتحرك دون دعم غير محدود من الجارة الفارسية التي يمكن لها أن تغض الطرف قليلا عن تمدد بسيط لأنقرة في سوريا والدليل على ذلك أنها باركت، تدخلها في شمال سوريا، لمحاربة داعش على حدودها الجنوبية ولا بأس من وقف تمدد فصائل كردية تعتبرها طهران مثل جارتها التركية إرهابية فهذا شئ مطلوب ومحمود وتستحق عليه التقدير. لكنها في الوقت نفسه لن تسمح لها أبدا بأى نفوذ في العراق إجمالا والموصل بشكل خاص، وإنقلاب المسئولين العراقيين وتغير مواقفهم مائة وثمانين درجة تجاه نظائرهم الأتراك ، فبعد أن طلبوا هم أنفسهم دون غيرهم مددا من القوات التركية ها هم يعتبرونها إحتلالا لأراضيهم ومساسا بسيادتهم، وهذا التطور ليس الملالي بعيدون عنه بل صناعة ومدبريه، والعبادي وعقب زيارة وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر الأخيرة عاد واكد أنه لا مجال لتركيا في تحرير الموصل. في المقابل اردوغان متمسك بالمشاركة والمساهمة في تطهير المدينة من داعش ليس ذلك فحسب بل منع أي انتهاكات محتملة لميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران، والتي من شأنها تغيير بنائها الديموجرافي، وفيه تشكل السنة الأغلبية، فكل ما يخشاه هو فرار التركمان الذين أصلا يعيشون أوضاع بائسة، ومحاولات إستئصال وتهميش وتهجير، فماذا سيكون الحال مع توغل الميلشيات الشيعية، وهذا سيحدث عاجلا أم آجلا، وثمة أطراف يعلمها اردوغان نفسه، تدفع في هذا الإتجاه، وإذا ما تحقق هذا السيناريو المروع ستكون النتيجة مرعبة ألا وهي ضياع البقعة الحيوية والرمزية إلى الأبد . وهذا ما يفسر تصعيد خطابه القومي والديني الذي تتشدد مفرداته يوما بعد آخر مصحوبا بشحن إعلامي صاخب غير مسبوق وكأنه يهيأ شعبه لحرب إقليمية واسعة. والولايات المتحدةالأمريكية التي باتت هدفا ميديا مرئية ومقروءة مدعومة أردوغانيا ، يكيل لها يوميا الأتهامات ، ليست بعيدة عن مخطط يراد منه تحجيم الدور التركي ورئيس الوزراء بن علي يلدريم لم يخف ذلك. وثمة أمر أخر يزيد من تعقيد المشهد الذي قد يتطور إلى ما هو أسوا فتركيا لديها مخاوفها المكبوته حيال أقليم كردستان فعلي الرغم من أن حاكمه هو الان صديق حميم إلا ان الشكوك تتعاظم نحوه خاصة وأن الذاكرة مشحونة بطعنات غدر هكذا وصفت وسطرت في دفاتر التاريخ كانت مصدرها أربيل والسليمانية معا . صحيح أن مسعود البرازاني عضد وجود «القوات التركية في دوبردان وبعشيقة « مؤكدا أنها جاءت بعد موافقة بغداد، لتدريب الشرطة والمتطوعين من محافظة نينوى إلا أن قواته ونجاحاتها المتوالية سواء في «عين العرب كوباني» و«جرابلس» السوريتين وحاليا بالموصل اصبحت الرقم الصعب في التشكيل المغاير لخارطة الهلال الخصيب ، بيد أن حصته في كعكة الموصل ومعها كركوك الغنية نفطا ستكون على حساب أنقرة والأخطر أنه ستضيف زخما حتى ولو رمزيا على المعضلة الكردية وشد أزر الأكراد بكل عموم تركيا وبشكل خاص مدن جنوب شرق الأناضول. وهكذا تنبأ الشواهد بأن تركيا يمكن أن تكون خارج التوزانات التي يتم الترتيب لها ، وتصريحات قادتها النارية لن تشفع لها حتى بمناطق أمنة على تخومها مع الجارتين السورية العراقية، وخلاصة القول أن تلك التطورات السلبية التي يغذيها الجوار والغرب أوروبي وأمريكي لا يمكن فصلها عن السياسات التسلطية التي يقوم بها اردوغان داخل بلاده ، فالقارة العجوز ومعها واشنطن لا يبديا التعاطف المطلوب تجاهه بل على العكس يسعيان لتقزيمه.