السؤال الذي يثور الآن ، كيف يمكن لمصر أن تباشر ثقافة الدبلوماسية البرلمانية ؟ والإجابة أنه ولما كانت مصر عضوا في عدد من المنظمات الدولية البرلمانية التي تنهض بدور مؤثر في تفعيل آليات الدبلوماسية البرلمانية ، فقد آن لها أن تخطو بقوة وعزم وثبات نحو إثبات جدارتها وحيويتها وتأثيرها في تلك المحافل البرلمانية الإقليمية والدولية، باستخدام أدوات الدبلوماسية البرلمانية في فعالياتها وأنشطتها ، ومن أهم تلك المنظمات :الاتحاد البرلماني الدولي الذي تأسس في عام 1889 م وهو المنظمة الدولية للبرلمانات ذات السيادة و هو النقطة المحورية للحوار البرلماني في جميع أنحاء العالم ويعمل من أجل السلام والتعاون بين الشعوب ولترسيخ الديمقراطية التمثيلية ،وتضم في عضويتها حوالي 143 برلمانا ، ومنهاكذلك البرلمان الإفريقي وقد تأسس 1976 ثم تغير اسمه إلي «برلمان عموم إفريقيا» عام 2004، ويبلغ عدد أعضاء البرلمان الأفريقي نحو 230 نائبا ، وذلك باختيار برلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي الذي تكون في الأساس من 46 دولة أفريقية. وهناك الاتحاد البرلماني العربي وهو منظمة برلمانية عربية تتألف من شعب تمثل المجالس البرلمانية العربية ومجالس الشوري العربية ، تأسس الاتحاد في عام 1974 نتيجة لجو التضامن والعمل العربي المشترك الذي عاشته الأمة العربية في تلك الفترة، والذي وفر مناخا مواتيا لنمو التعاون العربي عن طريق المؤسسات السياسية والنقابية والمهنية العربية ، وفي عام 2005 تأسس البرلمان العربي ( الانتقالي ) ، وفي عام 2012 نشأ البرلمان العربي (الدائم) بقرار مجلس جامعة الدول العربية ، ليكون فضاءً لممارسة مبادئ الشوري والديمقراطية والحرية وحقوق الانسان « ، ويكون « أداة للحوار والقرار وقوة دفع شعبية لمنظومة العمل العربي وشريكاً فاعلاً في رسم السياسة العربية المشتركة خدمة للمصالح العليا للأمة العربية وتأكيداً لمبدأ توسيع المشاركة السياسية كأساس للتطور الديمقراطي في البلدان العربية لتوثيق الروابط بين الشعوب العربية «. ومن تلك المنظمات البرلمانية الإقليمية الجمعية البرلمانية لدول البحر المتوسط تأسست عام 1990 وهي منظمة إقليمية ، تتمتع بمركز المراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة و لها مركز قانوني دولي محدد. تلعب الجمعية دورا أساسيا كمنظمة تعتبر أنشطتها راسخة الجذور، كأصل مكمل لعمل غيرها من الهيئات الإقليمية والدولية المنوط بها مسئولية تعزيز الأمن والاستقرار والسلام في البحر المتوسط ، هذا فضلا عن عدد من المنظمات الأخري مثل الجمعية البرلمانية للاتحاد من اجل المتوسط والجمعية البرلمانية الفرانكفونية، والمؤتمر الوطني للمجالس التشريعية للدول ، و منتدي البرلمانيين العرب والأفارقة للسكان والتنمية ، ومؤخرا منتدي البرلمانيين العرب للسكان والتنمية عام 2014 و المعهد العربي للتدريب البرلماني والدراسات التشريعية. كما يمكن لمصر أن تضطلع بأدوار مهمة في تلك المنظمات البرلمانية التي ليست هي عضو بها ، وذلك بالتعاون البرلماني البناء من خلال مذكرات التفاهم وبروتوكولات التعاون الدولي ، ولعل من أهم تلك المنظمات : البرلمان الأوروبي ، والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، والجمعية البرلمانية لدول مجلس الأمن والتعاون الأوروبي ، والجمعية البرلمانية الأسيوية ، والجماعة الاقتصادية بغرب إفريقيا ، والجمعية البرلمانية لدول الكومنولث ، والمنتدي البرلماني آسيا والمحيط الهادي ، ورابطة البرلمانيين الأوروبيين مع إفريقيا ، وبرلمان أمريكا اللاتينية. نشر ثقافة الدبلوماسية البرلمانية يمكن أن يسهم بجدية في تحقيق طموح الشعوب ، لاسيما من خلال رئاساتها القوية والداعمة لها ، سواء رؤساء الدول وكذلك رؤساء البرلمانات ، وذلك نتيجة لزيادة الاعتماد المتبادل بين»الأمم والشعوب في مختلف المجالات الإنسانية، وتضاعف التحديات التي باتت تواجهها البشرية في هذا العصر، علي صعيدين : الأول يتمثل في دبلوماسية برلمانية ثنائية بتبادل الزيارات والبعثات الثنائية بين مختلف برلمانات العالم التي لا تقتصر مهمتها علي لقاء البرلمانيين بل تلتقي أيضا مع المسئولين الحكوميين وأحيانا مع الفاعلين المدنيين ، والصعيد الآخر يأخذ طابع دبلوماسية برلمانية جماعية أو دولية تمارس علي صعيد المنظمات والاتحادات البرلمانية الدولية والإقليمية التي تشكل أهم قنوات تفعيل الدبلوماسية البرلمانية، ويعتبر الاتحاد البرلماني الدولي أهم هذه الهيئات إلي جانب البرلمان العربي واتحاد عموم برلمانات إفريقيا. وختاما، أشير إلي حتمية أن تتكامل الجهود الدبلوماسية التقليدية (الرسمية) مع جهود الدبلوماسية البرلمانية في مواجهة الأخطار المحدقة بمصرنا الغالية ، ولعل رأس تلك الأخطار وذروة سنامها خطر الإرهاب المدمر ، ثم يليه ويتزامن معه مجموعة من أولويات الأجندة الوطنية المتمثلة في خطر الفساد، وآليات إنفاذ القانون ، وترسيخ ثقافة الوعي بالقانون في نفوس المواطنين وحياتهم وهذا يعني استيعاب المواطن- كركن من الأركان المكونة للمجتمع- لكل ما يدور حوله من علاقات ومفاهيم وأهداف من خلال تصورات قانونية سليمة.. بأن يتبني هو بذاته القانون، وأن يعتبره قيمة من القيم التي يحترمها، وأن يتعامل مع واجباته بوصفها شيئًا وجد لمصلحته، حاضرًا له،ومستقبلا لأبنائه، وهو أمر لا يتأتي إلا من خلال منطق بناء وعيه بضرورة وجودالقانون في حياته، وبفائدته، وبأنه جزء لا يتجزأ من مسئوليته الشخصية، وهو واجب وطني وأخلاقي . لمزيد من مقالات د. خالد القاضى ;