1 كنت مرتاحا لإيقافي عن العمل, كما أنني كنت في الثامنة عشرة لايقلقني اي شيء سوي معرفتي ان في حال عودتي إليه, لن يكون وسعي ابدا, ان أدخل أحواش البيوت والتصفيق بيدي. وأنا أزعق بعلو الصوت مناديا علي صاحب الرسالة أو غيره من خلق الله.. صحيح انني عرفت بعد تلك المحنة ان هناك مناطق اخري مثل قصر الدوبارة لايوجد بها مثل هذا حيث تتوافر في مداخل بناياتها صناديق بريد خاصة بنزلائها, الامر الذي لايستوجب التصفيق ولا النداء, ولكني لم اعرف الا بعد عودتي من مدينة المحلة الكبري التي تمت معاقبتي بنقلي إليها. 2 قبل سفري, اي اثناء فترة ايقافي, كان جونيور قد هرب الي انجلترا وبدأنا نتراسل, وهو ما ان علم بهذا السفر حتي ارسل يطلب ان اوافيه بكل التفاصيل الممكنة حول هذه الرحلة,( كأني لم اسافر ومازلت معكم وشايف كل حاجة, ضروري يا جن). بعض نسخ الاوراق التي حملت هذه التفاصيل الي جواري الآن, كنت اتطلع إليها وهي مطوية بين الصور الي جوار الحقيبة الجلدية المائلة الي مسند الكنبة الجانبي, اراها وافكر في هؤلاء الذين تركتهم في الصالة يتفرجون علي المسرحية الكوميدية ولايضحكون, كنت استغرب من هذا البرتقال الذي يأكلونه بعد ما ينزعون القشر الخشن عن حباته مختلفة الاحجام, ولوهلة شعرت, بقدر من الاسي فنصائحي التي طالما وهبتها, ذهبت وكأنها لم تكن 3 لقد عمدت دائما الي نقل خبرتي الي الاولاد في بعض ما كان يخطر ببالي أو أتذكره من شئون الحياة, فيما يتعلق بالفاكهة, علي سبيل المثال, فإنني كنت معنيا, طوال عمري, بثمار البرتقال أبوصرة واليافاوي منه علي وجه الخصوص, فضلا بالطبع, عن ثمار البطيخ الكبير بأختامه الحمراء في خضرة قشرته الداكنة العميقة, والذي كان معروفا علي المستوي المحلي باسم البطيخ الشلين, وفي المناسبة احب اقول إن تقديري للبرتقال أبو صرة والعمل علي اكله دون استخدام السكين في تقشيره بل اصابعي, وعندي طريقة خاصة في ذلك ولكن ليس وقته, وهذا من مضارب الامثال داخل البيت وربما خارجه. 4 لم اكن اريد ان ارحل عن الدنيا واتركهم نهبا لهذا الفكهاني او ذاك, لذلك اخبرتهم مرارا ان نعومة قشرة البرتقالة ام صرة هي الدليل علي نضجها كما انهم سيصادفونه حتما متقارب الاحجام, وليس مثلما يأكلونه الآن. بالنسبة للبطيخ فإن الامر بالطبع, يختلف حدثتهم مثلا ان مكان عنق البطيخة مادام ضامرا كلما كانت اكثر نضجا, هذا هو السر في ان احدا منهم لم يرني ابدا عائدا الي البيت وانا احمل بطيخة مشقوقة بالسكين لاختبار مدي احمرارها, بل كنت اعود بها مغلقة تماما وليس بوسع احد ان يكابر في هذا, كنت اقوم شخصيا باستخدام السكين الكبير واستخرج الشقة الطويلة وارفعها عاليا في قشرتها الرقيقة الخضراء التي تستند اليها البطانة البيضاء, هكذا يرونها حمراء مطرزة باللب الاسود المغروس, وهو امر ليس مفاجئا لكل من يعرفني, في مرات قليلة فقط كنت أستخرج هذه الشقة الطويلة وأجد ان اللون الاقرع غلب عليها, وفي هذه الحالة يكون مذاقها مثل العسل ايضا. هذا كله, بالطبع عندما كان بوسعي احمل كيس البرتقال, او البطيخة, والمشي بها خطوة او اثنتين. 5 استغربت اذن من تفاوت حجم حبات البرتقال وقشرته الخشنة, ورأيت ان خبرتي التي اردت ان اورثها لهم قد انتهي امرها الي خبر كان, وهنا انزلقت عن الكنبة واتجهت الي مدخل حجرتي وتبينتهم يجلسون في الصالة شبه المعتمة يأكلون ويتفرجون علي المسرحية الكوميدية ولايضحكون, اردت ان اسأل من الحمار الذي اشتري هذا البرتقال؟ ولكني خشيت ان ينكر نفسه. 6 قلت, كأنني لا أسأل, وإنما أزف خبرا: يا تري مين اللي اشتري البتاع ده؟ وبعدما التفتوا صامتين, قالت زوجتي ان البواب هو الذي اشتراه, وانا عدت جلست علي الكنبة, ولعنت اليوم الذي جعل البواب, هو الذي يشتري البرتقال. وللكلام غالبا بقية.