تختلف السلع التموينية والغذائية فى طريقة حل أزماتها وإن كانت تتفق فى أسباب حدوث أزماتهابسبب سوء التخطيط المستقبلى وحسابات الاحتياجات المستقبلية بدقة وتوفير المستلزمات المالية لتدبير احتياجاتنا منها فى الوقت المناسب والتى تتراوح بين شهر واحد للبعض إلى خمسة أشهر للبعض الآخر. سلع البوتجاز والسكر والأرز من أسهل السلع التى يمكن التعامل مع حل أزماتها لأنها ترتبط بالوفرة والقدرة الشرائية والتخزينية للمواطن وهى لاتزيد على أسطوانتى بوتجاز للأسرة ولاتزيد أيضا على 20 كجم من السكر والأرز للأسرة وبالتالى فمن السهل فى حال وجود المخزون المناسب من السلع أن يتم حلها جميعا فيما لا يتجاوز عشرة أيام. أما عن الأسباب فلعنا نتذكر مافعله تجار السكر فى العامين الماضيين من سياسات الإغراق للسوق المصرية بالسكر المستورد الرخيص بعد أن وصل سعره فى البورصات العالمية إلى أقل من ثلاثة جنيهات، ثم تعاطف وزارة التموين مع السكر المستورد وتسويقه على البطاقات التموينية وفى المجمعات التعاونية المملوكة للدولة حتى ضجت شركات السكر الوطنية بالشكوى من تراكم المخزون الراكد بها وتجاوزه 2.5 مليون طن وأنها بدأت فى السحب على المكشوف من البنوك حتى تجاوزت ديونها 6 مليارات جنيه مصرى بعد أن كانت تحقق وحدها 70% من إجمالى أرباح جميع شركات الشركة القابضة للصناعات الغذائية البالغ عددها 44 شركة. وحتى الآن لا يعلم أحد سببا لإلغاء وزير التموين السابق للاتفاق المبرم بين وزارة التموين وشركات السكر الحكومية باحتكار توريد جميع إنتاج هذه الشركات من السكر مقابل هامش ربح يتفق عليه وعادة لا يتجاوز 15% من تكاليف الإنتاج وذلك للوفاء بالتزامات الدولة تجاه الفقراء ومحدودى الدخل المربوطين على البطاقات التموينية لنحو 73 مليون فرد وهو مايفرق الدولة على التجار حيث للدولة التزامات بعكس التجار الناظرين لتحقيق أقصى ربح مادي، وبالتالى فعلى الدولة أن تسارع بإعادة تفعيل الاتفاق المبرم بين وزارة التموين وشركات السكر الحكومية والذى كان ساريا حتى عام 2013 باحتكار جميع إنتاج السكر الحكومى مقابل هامش الربح المناسب للمصانع بما يعود بالخير على المستهلك والعاملين فى مصانع السكر ومزارعى القصب والبنجر بعيدا عن أهواء التجار وترددهم بين سياسات الإغراق بالاستيراد تارة وسياسات الاستحواذ على السكر الحكومى تارة أخرى فور شعورهم بارتفاع أسعار السكر فى البورصات العالمية وبالتالى فالأمر هنا يرتبط باستغلال أو حتى حسن إدارة أموال وصل إلى حد منافسة الدولة فى أملاكها لأن الدولة أولى بإنتاج مصانعها المملوكة لها ولا ينبغى أن تترك هذا الإنتاج للتجار ليحصلوا عليه من المصانع الحكومية بسعر 4.5 جنيه للكيلوجرام ثم يعيدون بيعه للمستهلك مابين 8 إلى عشرة جنيهات بينما تقوم الدولة باستيراد السكر البرازيلى بسعر 545 دولارا للطن مفرطة فى عملتها الصعبة المحدودة ولتتحمل مبالغ كبيرة لدعم بيع السكر بخمسة جنيهات فقط وهى تستورده بسبعة جنيهات وكأن التجار أولى بالربح والحكومة أولى بالخسارة!. الغريب فى الأمر أن مصانعنا الحكومية والاستثمارية لسكرى القصب والبنجر تنتج نحو 70% من إجمالى احتياجاتنا من السكر بحجم 2.4 مليون طن وهى كافية تماما للوفاء بإلتزامات الدولة تجاه الفقراء فى بطاقات التموين ومجمعات الأحياء الشعبية، ويتبقى مليون طن كان القطاع العام يتولى استيرادها سواء كسكر أبيض للطرح المباشر أو سكر خام يتم تكريره فى المصانع المصرية، وإذا كان الأمر هنا يتعلق بوفرة الدولار فيمكن للدولة أن تقوم باستيراد هذا السكر الخام لصالح مصانعها المصرية بالسعر الحكومى للدولار ثم تقوم بطرحه على التجار والسلاسل التجارية بالسعر الحكومى 4.5 للكجم حرصا على عدم ارتفاع أسعاره أو احتكاره وبذلك تكون الدولة قد وفرت كامل احتياجاتنا السنوية من السكر. وكان يمكن للدولة لتجاوز الأزمة سريعا أن تخصص 5 كجم من السكر لكل بطاقة تموينية كمخصصات إضافية لمدة شهرين يتم صرفها من البقال التموينى لنحو 73 مليون مصرى وعلى الباقى من خارج دائرة الفقراء أن يدبر احتياجاته من السلاسل التجارية ولو بسعر أعلى قليلا فجنيهان فارق سعر لا تؤثر فى الطبقات المتوسطة والغنية خاصة وأن الدولة ستتولى تدبيره كسكر خام لمصانعنا الوطنية. أزمة الأرز ترتبط بعدم مرونة الدولة خاصة وقد نبهنا منذ شهرين بأن السعر الذى حددته وزارة التموين لشراء الأرز من الفلاحين وهو 2300 إلى 2400 للأرز رفيع وعريض الحبة على الترتيب غير عادل ويجب أن يتراوح بين 3200 و3400 بعدوصول سعر الأرز فى الأسواق المصرية إلى عشرة جنيهات وقلنا وقتها إن الغرض من هذا السعر المتدنى هو إخراج الحكومة بخبث من معترك شراء الأرز من الفلاحين وتركه لاستحواذ التجار بما يدفع الحكومة بالقيام باستيراد الأرز من الخارج للوفاء بالتزاماتها تاركة محصول أراضيها ومياهها وعرق فلاحيها للتجار. وهنا ينبغى للحكومة ممثلة فى وزارة التموين أن تتمتع بالمرونة المطلوبة وعدم ترك الأرز المصرى للتجار فقط وعليها أن تقوم برفع الأسعار إلى مثيله الذى زايد عليه التجار وأوصلوه إلى 3200 للطن وأغلب الفلاحين يرفضون البيع منتظرين وصوله إلى 3400 للطن رغم محاولات التجار بإيهام الفلاحين أن الأرز الهندى الذى ستستورده الدولة سيخفض أسعار الأرز لمن ينظر وهو غير صحيح لأن نصف مليون طن أرز هندى لا يمثل شيئا مهما فى كامل استهلاك المصريين للأرز والبالغة 3.5 مليون طن وبالتالى فالأمر هو أن التجار قد دفعوا الدولة لترك الأرز المصرى الفاخر للتجار الذى يتناسب مع نمط استهلاكهم والقيام باستيراد الأرز الهندي، ثم استغلوا استيراد الدولة للأرز لصالحهم لتهديد الفلاحين بهذا الأمر بعيدا عن حماية الدولة. مادام شعر المواطن بأن للدولة قبضة وأنها تقوم بدورها فى رعاية الفقراء والفلاحين ولا تتركهم للغش والجشع فإنها بالتأكيد ستحصل على رضاء المواطنين كخطوة أولى فى تحقيق تنمية وتجارة عادلة. لمزيد من مقالات د.نادر نور الدين