على الرغم من أن حرب أكتوبر لم تستخدم فيها سوى الأسلحة التقليدية على نطاق واسع، فإن ذلك لم يحل دون حدوث وقائع وتلميحات باستخدام السلاح النووى، والأكثر غرابة أن الأمر لم يقتصر على إسرائيل بل تعداه إلى استعداد أمريكى روسى لاستخدام السلاح النووى بهدف حماية مصالحهما فى الشرق الأوسط خلال حرب 1973. مجموعة من الوثائق التاريخية السرية بأرشيف الأمن القومى الأمريكى التى ألغى الحظر على تداولها منذ بضعة أعوام إضافة إلى عدد آخر من الوثائق الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية تضمنت بعض المعلومات المهمة حول السياسة الأمريكية وتوجهاتها والقرارات التى اتخذت أثناء حرب السادس من أكتوبر 1973، خاصة فيما يتعلق بواقعة استعداد الولاياتالمتحدة لدخول مواجهة مع الاتحاد السوفيتى فى ذلك الوقت نتيجة تهديد موسكو بالتدخل العسكرى المباشر عقب انتهاكات إسرائيل لقرار وقف إطلاق النار وتوغلها بأسلوب غير مشروع فى منطقة الثغرة. الترويج لقدرات إسرائيل النووية وعلى مدى عقود سربت إسرائيل الكثير من المعلومات التى تفيد امتلاكها لسلاح نووى، حيث تبنت سياسة الردع بالشك النووى، إلا أن شيمون بيريز كان يتبنى قبل حرب أكتوبر 1973، فكرة القيام باستعراض لقوة إسرائيل النووية فى محاولة لإرهاب الطرف العربى وردعه عن القيام بأى محاولة عسكرية ردا على عدوان 1967. وعقب بداية حرب 6 أكتوبر بساعات انعكست النجاحات المصرية السورية الساحقة على القيادة الإسرائيلية وبدأ المحيطون بموشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى فى ذلك الوقت، فى سماعه وهو يردد مقولته الشهيرة هذه نهاية المعبد الثالث فى إشارة إلى قرب انهيار إسرائيل. وبعد فشل الهجوم المضاد ضد الجيش المصرى فوق أرض سيناء يوم 8 أكتوبر، تعقدت الأمور داخل القيادة الإسرائيلية ومجلس الوزراء المصغر مما دفع جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل، فى ذلك الوقت، إلى الحديث عن فكرة اللجوء إلى استخدام السلاح غير التقليدى ضد العرب. وأكد وارنر فى ورقته أن القيادة الإسرائيلية قررت تسريب معلومة بشكل غامض فى محاولة لتوظيفها كأداة من أدوات الردع الدعائية ضد العرب. وكانت تلك المعلومة تقول إن إسرائيل قامت بتجميع 13 قنبلة ذرية زنة 20 كيلو، وأن هناك استعدادات تمت لتسليح الطائرات من طراز إف -4 وصواريخ أريحا بأجهزة بلوتونيوم أو بقنابل من اليورانيوم المخصب لتوجيهها إلى أهداف مصرية وسورية، وتردد إن إسرائيل كانت تنوى استخدام مدفعية قادرة على إطلاق قذائف نووية خاصة ضد العاصمة السورية دمشق. الولاياتالمتحدة والسوفيت وتبادل التلويحات: ومن المؤكد أن الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتى، كانا يعيشان أجواء توتر الحرب الباردة فى ذلك الوقت، لم يكونا بمنأى عن الانزلاق فى مواجهة نووية تعصف باستقرار العالم إلى الأبد. وقد أشارت ورقة وارنر إلى قصة وصفت ب «المشكوك فيها» وتقول إن السوفيت رصدوا عبر أقمارهم الصناعية ما يفيد وجود تحرك نووى إسرائيلى محتمل، ومن ثم اتخذت موسكو قرارا بإرسال قطعة بحرية مسلحة نوويا إلى البحر المتوسط خلال الفترة بين 18 و 23 أكتوبر، فيما اعتبرته إسرائيل تحذيرا من السوفيت لها بعدم اللجوء إلى السلاح النووى. الأمر الأكثر خطورة والذى هدد باتساع الصراع ليشمل مواجهة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتى حدث فى الأيام التالية. فقد تم التنويه إلى ما نشرته مجلة «أفييشن ويك وسبيس تكنولوجى» Aviation Week & Space Technology من تمكن وسائل الاستطلاع الأمريكية فى أثناء حرب أكتوبر من رصد ما اعتقدت أنه مجموعتان من مجموعات إطلاق صواريخ سكود القادرة على حمل رءوس غير تقليدية فى دلتا مصر، وسرعان ما سربوا لإسرائيل صورا لسيارات نقل خاصة تشبه تلك القادرة على نقل الرءوس النووية إلى مواقع الصواريخ، وأظهرت الصور تلك السيارات وقد وقفت إلى جانب منصات إطلاق الصواريخ. وقد تضمنت وثائق أرشيف الأمن القومى الأمريكى ووزارة الخارجية الأمريكية الوثيقتين رقم 61 إيه و 61 بى والوثيقة رقم 71 التى أشارت إلى الرسائل المتوترة المتبادلة بين الزعيم السوفيتى ليونيد بريجنيف من جانب ونظيره الأمريكى ريتشارد نيكسون من جانب آخر، والتى كادت تؤدى إلى نشوب مواجهة نووية بين الطرفين. وجاء الخوف على المصالح البترولية فى المقام الأول ومن توغل السوفيت عسكريا فى الشرق الأوسط دافعا لأن تعلن الولاياتالمتحدة تطبيق المرحلة الثالثة من الطوارئ الدفاعية على المستوى الوطنى، وهو الإجراء المعروف اختصارا ب «ديف كون – 3» والذى بموجبه تقوم القوات الأمريكية بزيادة مستوى استعدادها إلى مستوى أعلى من مستوى الاستعداد العادى نتيجة وجود ما يشير إلى احتمال تعرض القوات الأمريكية خارج البلاد لهجوم كبير خاصة من قبل السوفيت. وقد تبنت الولاياتالمتحدة وتحديدا الأسطول السادس الأمريكى فى الشرق الأوسط ذلك المستوى من الاستعداد بحلول يوم 25 أكتوبر 1973 واستمر ذلك الأمر حتى 17 نوفمبر من العام ذاته. وفى النهاية تؤكد مثل تلك الوثائق والروايات أن منطقة الشرق الأوسط على حافة الخطر، وأن ما يحدث بها يؤثر على العالم بشكل مباشر، ويدفعه إلى هوة الخطر أيضا، ومن هذا المنطلق جاءت دعوة الحكماء من متخذى القرار والساسة والمفكرين إلى نزع السلاح النووى من جميع الأطراف بالمنطقة وإعلانها منطقة خالية من السلاح النووى لتمثل محاولة إيجابية بناءة لإنقاذ العالم من تبعات وكوارث الفوضى البناءة أو الخلاقة فى العصر النووى. .............................................. الخبير الإستراتيجى وزميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا