فى مساء الثلاثاء 20/9/2016 هاتفنى رئيس جامعة القاهرة الأستاذ الدكتور جابر نصار وأبدى رغبة فى لقائى كانت موضع اعتزاز لسببين: السبب الأول أنها رغبة تأتى من رئيس جامعة متميز بفكره الثورى وبأدائه المبدع. والسبب الثانى أننى لست عضوا بهيئة تدريس جامعة القاهرة، إنما أنا أستاذ متفرغ للفلسفة بجامعة عين شمس. وفى هذه المكالمة قال إنه يريد أن أُسهم معه فى إحداث تيار رشدى فى جامعته، أى تيار يستند إلى فلسفة ابن رشد للقضاء على الفكر المتطرف المهدد لعقول الطلاب. وفى الساعة الرابعة من بعد ظهر 22/9/2016 تم اللقاء بمكتبه وقد استغرق ساعة وربع الساعة، وفيه أبدى رغبة فى أن أكون مشاركا فى الموسم الثقافى للجامعة فى هذا العام، أو بالأدق مشاركا فى تحرير ذهنية الطلاب والطالبات من فكر ابن تيمية وتنويرهم بفكر ابن رشد، خاصة أن أوروبا فى القرن الثالث عشر ترجمت مؤلفات هذا الفيلسوف الاسلامى العظيم لإحداث تيار أطلقوا عليه اسم «الرشدية اللاتينية» فى حين أن العالم الاسلامى قد قام بدفنه هو وفلسفته منذ ذلك القرن حتى الآن. ومن هنا استجبت لدعوته بلا تردد، إذ فى عام 1977 ألقيت بحثاً فى مؤتمر للفلسفة الاسلامية بسان فرنسسكو بأمريكا وكان عنوانه «ابن رشد والتنوير». وفى عام 1979 ألقيت بحثا فى مؤتمر «الاسلام والحضارة» بالقاهرة عنوانه «مفارقة ابن رشد» ومفادها أن ابن رشد ميت فى الشرق حى فى الغرب. وفى هذا السياق جاء فكر الأستاذ الدكتور جابر نصار مواكباً لفكرى. ثم استطرد سيادته قائلاً: لقد نشرنا كتبا تنويرية من بينهامستقبل الثقافة فى مصر لطه حسين و«الاسلام وأصول الحكم» للشيخ على عبد الرازق و «دليل المسلم الحزين» لحسين أحمد أمين. ثم أجرينا مسابقات ثقافية حول هذه الكتب وعقدنا ندوات حولها. هذا بالاضافة إلى إقامة مسرحيات وحفلات غنائية، وكلها تشى بأنها ذات طابع حضارى افتقدناه منذ بزوغ الأصوليات الدينية فى مصر ابتداء من منتصف السبعينيات من القرن الماضى مع ما لازمها من رأسمالية طفيلية تعملان سويا وبسرعة فائقة لإدخال مصر فى مجال التخلف بالعنف والقتل. وأظن أن كل ذلك النشاط من شأنه أن يشى بإرهصات لثورة فكرية. وفى نهاية اللقاء قلت لرئيس الجامعة إننى ألتقى فى «منتدى ابن رشد» مع مثقفين متنورين فى جلسة شهرية منذ عام 2001، وأنا أرجو الالتقاء بهم فى موعد لاحق فوافق بلا تردد ثم استطرد قائلا: «أريد فى هذا اللقاء القادم أن ننتهى إلى صياغة «روشتة» إجرائية لتطبيق خطة تنويرية مع وضع آليات لهذا التطبيق لنرسلها إلى مؤسسات الدولة بوجه عام، وإلى مؤسستى التعليم والثقافة بوجه خاص لمواجهة الأفكار المتطرفة. وفى اليوم التالى من اللقاء نشرت جريدة «الأهرام» حوارا أجرته مع الأستاذ الدكتور جابر نصار بمناسبة العام الدراسى الجديد. وأنا هنا أنتقى جزءا من هذا الحوار وهو على النحو الآتى: سنبذل مجهودا كبيرا فى هذا العام برؤية فلسفية جديدة تحقق كل ما هو علمى ومفيد للجامعة ولطلابها. ولهذا فإن الموسم الثقافى سيكون موسما تنويرياً. ثم تساءل: لماذا أحرقنا مؤلفات ابن رشد وسادت لدينا أفكار ابن تيمية فانتشر التطرف والعنف والارهاب؟! كما أشار رئيس الجامعة إلى أن لديه رؤية تقوم على تفكيك بنية التطرف ومنع الجماعات المتطرفة من احتضان الطلاب والسيطرة على أفكارهم، كما أننا لن نعطى فرصة تمكن الجماعات المتطرفة من استقبال الطلاب ومغازلة أفكارهم. خلاصة هذا الحوار أن لدى رئيس جامعة القاهرة الأستاذ الدكتور جابر نصار مشروعين: أحدهما تنويرى رشدى، وآخر يمكن أن يقال عنه إنه تعليم بالابداع. وإذا حدث تجسيد لهذين المشروعين فيمكن القول إن هذا التجسيد هو استدعاء لوضع قادم كان من الممكن أن يكون ملازماً لتدمير الوضع القائم الذى كان موجودا قبل ثورة 25 يناير وكان مهيمناً على مصر منذ سبعة آلاف سنة تحت اسم «الدولة الفرعونية». والجدير بالتنويه هاهنا أن الرئيس عبد الفتاح السيسى فى خطابه التاريخى الذى ألقاه فى 21/9/2016بمناسبة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة إذ قال: «لقد أضحت ظاهرة الارهاب بما تمثله من اعتداء على الحق فى الحياة خطراً دامغاً على السلم والأمن الدوليين فى ظل تهديد الارهاب لكيان الدولة لصالح ايديولوجيات متطرفة تتخذ من الدين ستارا للقيام بأعمال وحشية والعبث بمقدرات الشعوب الأمر الذى يستلزم تعاونا دوليا واقليميا كثيفا. ولقد حرصت مصر دوماً على التأكيد على أن التصدى للارهاب والمواجهة الحازمة للتنظيمات الارهابية والعمل على التصدى للايديولوجيات المتطرفة المؤسسة للارهاب ومروجيها. ويمر العالم الآن بمفترق طرق، فلم تعد تهديدات السلم والأمن الدوليين تقليدية بل أصبحت تمس ثوابت الحضارة الانسانية». والسؤال التحدى هو على النحو الآتى: هل فى إمكان النخبة الثقافية المصرية بوجه عام القدرة على أن تكون فى صدارة المواجهين للارهاب؟ وهل فى إمكان الجامعات المصرية بوجه خاص الانخراط مع جامعة القاهرة فى تأسيس تيار رشدى يحدث تأثيراً دولياً للقضاء على جذور الارهاب وإلى إعادة الحضارة الاسلامية إلى الحضارة الانسانية؟ لمزيد من مقالات مراد وهبة