الإدارية العليا تتلقى 280 طعناً على نتائج المرحلة الثانية من انتخابات النواب    مسابقة معاون نيابة إدارية لخريجي دفعة 2024    محافظ كفر الشيخ يشهد بروتوكول تعاون مع الخارجية لإتاحة خدمات التصديقات    وفاة معلم أثناء طابور الصباح في القاهرة    ضعف وانقطاع المياه بهضبة الأهرام ومساكن ضباط الرماية    بوتين يؤكد توسيع السيطرة الروسية نحو نوفوراسيا وخاركيف وأوديسا    القومي للمرأة ينعي الحاجة سبيلة علي أحمد عجيزة رمز العطاء الوطني    الكرملين: الهند شريك رئيسي لروسيا.. والعلاقات بين البلدين متعددة الأوجه    الرئاسة التركية: الوضع في السودان يستوجب تحركا عاجلا    كأس العرب| الجماهير التونسية ترفع العلم التونسي والفلسطيني قبل مباراة المنتخبين.. شاهد    هانيا الحمامي تتأهل إلى نصف نهائي ميلووكي هونغ كونغ للإسكواش    بيان من نادي كهرباء الإسماعيلية بسبب الشائعات بين المرشحين على مواقع التواصل    ضبط شخص بسوهاج لتوزيعه أموالًا على الناخبين لدفعهم للتصويت    إجراءات التقديم لامتحان الشهادة الإعدادية 2026    ياسمين الخيام تكشف التفاصيل الكاملة لوصية والدها بشأن أعمال الخير    مسلسلات رمضان 2026.. هالة صدقى تجسد دور والدة كزبرة فى بيبو    مستشار الرئيس للصحة: مستشفى صدر العباسية له الفضل فى خفض حالات الدرن بمصر    حمدان وبن رمضان وجهًا لوجه.. التشكيل الرسمي لمباراة فلسطين ضد تونس    مصر تستهدف جذب الشركات الأمريكية للاستثمار في قطاع التعليم    الليلة.. عودة عرضي "سجن النسا" "يمين فى أول شمال" على مسرح السلام    خالد جلال: تكريمي من وزارة الثقافة يمنحي طاقة جديدة لمواصلة مسؤوليتي تجاه الفن والشباب    عمرو مصطفى: أعتذر لكل من ضايقتهم وأشكر الهضبة    تحويلات مرورية في القاهرة.. تعرف عليها    نائب رئيس الوزراء: القيادة السياسية تضع الملف الصحي على رأس الأولويات الوطنية    بوتين يؤكد توسيع السيطرة الروسية نحو نوفوراسيا وخاركيف وأوديسا    السفيرة الأمريكية بالقاهرة: نسعى لدعم وتوسيع الشراكة الاستراتيجية مع مصر    «التجاري الدولي» يحصد جائزة بنك العام في مصر من مؤسسة The Banker    الإمارات تطلق مصنع متطور للمولدات الصديقة للبيئة ينضم إلى القطاع الصناعي في الشارقة    البورصة تسجل مستوى تاريخي جديد مقتربة من 41500 نقطة بختام الأسبوع    إحالة مدير وطبيب الطوارئ بمستشفى بركة السبع للتحقيق بسبب تقصيرهم فى أداء العمل    الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقتل ياسر أبو شباب على يد مسلحين فى غزة    الوطنية للصحافة تكرم أخبار اليوم كأفضل تغطية صحفية لافتتاح المتحف المصرى الكبير    محافظ أسيوط: تسليم شهادات البرنامج التدريبي بوحدة أبوتيج المتنقلة خطوة للتمكين الاقتصادي    كرة طائرة - تواجد الصفقات الجديدة وغياب مريم مصطفى في قائمة سيدات الزمالك بمونديال الأندية    الداخلية تضبط شخصا يوزع أموالا على الناخبين بطهطا    لجان لفحص شكوى أهالي قرية بالشرقية من وجود تماسيح    في غياب الدوليين.. الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة إنبي بكأس العاصمة    القاهرة الإخبارية: انتظام التصويت بدائرة الرمل في الإسكندرية.. والشباب يتصدرون    الأهلي يتحرك لحسم ملف ديانج رسميًا.. وعرض جديد خلال ساعات    أبو الغيط: جائزة التميز الحكومي رافعة أساسية للتطوير وتحسين جودة حياة المواطن العربي    الطقس غدا.. تغيرات مفاجئة وتحذير من شبورة كثيفة وأمطار ونشاط رياح وأتربة    بعد حصوله على جائزتين بمهرجان القاهرة.. فيلم ضايل عنا عرض يستكمل عروضه ما بين روما وقرطاج    هل بول القطط نجس؟ وحكم الصلاة فى المكان الملوث به.. الإفتاء تجيب    «الأوقاف»: تعديل القيمة الايجارية لأملاك الوقف    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى أوسيم دون إصابات    "تعليم القاهرة" تدعو الطلاب لضرورة الاستفادة من المنصة اليابانية    لماذا يرتفع ضغط الدم فى الصباح وكيفية التعامل معه؟    موعد صلاة الظهر..... مواقيت الصلاه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى المنيا    محكمة جنح أول الإسماعيلية تؤجل نظر محاكمة والد المتهم بجريمة المنشار    الحقيقة الكاملة حول واقعة وفاة لاعب الزهور| واتحاد السباحة يعلن تحمل المسئولية    وزير الزراعة يدلي بصوته في جولة إعادة انتخابات مجلس النواب بدائرة الرمل    الصحة: مباحثات مصرية عراقية لتعزيز التعاون في مبادرة الألف يوم الذهبية وتطوير الرعاية الأولية    اليوم الثاني للتصويت بالبحيرة.. إقبال لافت من الناخبين منذ فتح اللجان    هل وجود الكلب داخل المنزل يمنع دخول الملائكة؟.. دار الإفتاء تجيب    استقرار أسعار الذهب اليوم الخميس.. والجنيه يسجل 45440 جنيهًا    اللهم إني أسألك عيش السعداء| دعاء الفجر    دولة التلاوة.. المتحدة والأوقاف    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وكأن مصر تشرق فى الخريف !
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 09 - 2016

هو الخريف ...صاحب الظلال الهادئة بعد صيف طويل، والذى يمكن أن يصلح وقتا لتصفح هذه القصة المصرية الخالدة, خاصة وقد امتزجت نفحاته بصيحات النصر، وما أكتوبر ببعيد.
نحكى هنا عن واقعة انتصار فى تاريخنا القديم عادت بمصر إلى خصب أرضها الأخضر؛عن معركة بطلها أحمس فرعون مصر العظيم الذى استطاع, وكما يقول العالم آلن بترى, أن يلحق الهزيمة بالهكسوس فى عدة معارك, أهمها آفاريس التى دارت حوالى عام 1546 قبل الميلاد وأرغمتهم على الجلاء عن الدلتا وكل الأراضى المصرية .
كان هؤلاء الغزاة, الذين حار العلماء فى تحديد أصولهم وهويتهم, أكبر نقمة حلت على بر مصر لم يعرفها إلا من عاش وشاهد.
لهذا يتساءل مانيتون السمنودى المؤرخ العظيم هذا السؤال الصعب.. لماذا أنزل الله علينا نقمته؟ وهو يقص روايته عن هؤلاء الغزاة الأسيويين الذين حكموا مصر منذ نهاية القرن الثامن عشر إلى بداية القرن السادس عشر قبل الميلاد.
ففى عصر ملك يدعى «تيماوس» ولست أدرى كيف تم ذلك- كان الإله غاضبا علينا، فأتى من الشرق قوم من جنس مجهول عولوا على غزو بلادنا، و استطاعوا فى سهولة أن يخضعوها بقوتهم دون معارك.»
ينتهى حديث مانيتون، وإن كان ليس وحده فهناك قائمة طويلة من أهل القلم فى مصر استوقفتهم هذه المعركة وهذه الفترة الظلامية التى عششت على البلاد والعباد.
واحد منهم هو نجيب محفوظ الذى كان يحب الخريف, و يحلو له أن يكتب ويبدع فى أجوائه. فقدم ضمن ما قدم رائعته «كفاح طيبة», راويا لأحداث جرت فى رحاب مصر الفرعونية القديمة, بعيدا عن أحوال القاهرة العتيقة التى انغمس فيها بعد ذلك، حيث الحوارى الضيقة و عصى الفتوات، و الأسبلة ومساقى الدواب، وأشعة الشمس التى تأتى من صحراء مجاورة على استحياء لداخل البيوت التى تتجاور وتتزاحم على طول الطريق.
وقد كان يكفى محفوظ ما كتب لاحقا من حكايات الشباب والصبايا فى البيوت المعطرة بمسك حى «الحسين». ولكن ربما تعود هذه البداية الخصبة التى استلهمها من مصر الفرعونية إلى عشقه للتاريخ وبحثه عن أصل الحكايات.
مجرد تفسير يسبق قراءة روايته «كفاح طيبة» التى منحته جائزة وزارة المعارف عام 1944، وزاملتها روايات أخرى مثل عبث الأقدار ورادوبيس, إذن كانت بدايته فرعونية!
تبدأ الرواية مع سقنن رع، الحاكم المصرى الأصيل لطيبة والأراضى المصرية التى لم تقع بشكل مباشر تحت حكم الهكسوس.
كانت جريمة هذا الحاكم- من وجهة نظر المحتلين الهكسوس- هى وضعه تاجا كالملوك، وبناءه قصورا كالفراعين، وتعامله وكأنه ملك فعلى للبلاد. ولهذا أرسل أبوفيس خيان الهكسوسى كبير حجاب قصره البدين القصير صاحب اللحية الطويلة، والوجه الأبيض, تماما مثل أبو فيس, ليحمل رسالة أوامر إلى الحاكم الذى لابد أن يخضع.
كانت طيبة هى من تستقبل هذا الرسول، فصدمت عيناه المعابد والمسلات والوزارات ومقر القيادة العليا للجيش، وأخيرا قصر الحاكم العظيم الذى يماثل قصر منف نفسه.
كل هذا جعل لدى الهكسوس ألف سبب وسبب للإطاحة بهذا المشهد المصرى الخالص الذى يتخذ قواعده فى الجنوب بعيدا عن سطوتهم وهم الهمج الهابطون وادى النيل من أقاصى الصحارى.
فلابد من اذلال الجنوب كما ذل الشمال، حتى يمحى للأبد ذلك الاحساس بالعزة المصرية.
وهى نوايا كانت تنتظر اليوم الذى تصبح فيه واقعا، ولكن قبل أن تبدأ المعركة، يبصرنا محفوظ بهذه الاختلافات بين الغاصبين والفدائيين, من خلال اتفاق سقنن رع مع زوجته وأمه تيتيشيرى المقدسة على شن حرب على هؤلاء المحتلين الغاصبين.
أصبح الرفض لمطالب الغزاة واضحا لخيان رسول أبوفيس حين لقى سقنن رع بعد ليلة واحدة من تقديم مطالب الهكسوس لايزال مرتديا تاج الحاكم المصرى الابيض على رأسه، وكأنه قرر عدم خلع هذا التاج، وعدم قتل أفراس النهر، وعدم بناء معبدا لإلههم المختار ست.
وهو رفض يعنى وفى كل الأحوال أن الجنوب يقبل التحدى، وأن معركة على وشك الاشتعال.
كان لابد من هذا اليوم وهذه المواجهة، وكانت الحكمة تقتضى أن يفهم أهل بيت الحكم أنه إذا سقط سقنن رع لابد وأن يخلفه ابنه كامس ومن بعده ابنه أحمس.
أما أهل طيبة فقد هرعوا يحملون سعف النخل والرياحين، وكأن مصر تشرق فى الصباح, حين تحرك الجيش يقوده سقنن رع وهو يرتدى تاج تيمايوس اخر فرعون لمصر الموحدة كان يخبؤه كهنة آمون، ليتضح أن الهكسوس قد أعدوا قوة ضخمة لمهاجمة الجنوب حتى قبل أن يبلغ رسولهم حدود منف.
دار القتال فى وجود عجلات حربية صنعت للأسف بأيد مصرية، لتشتعل معركة غير متكافئة القوى والعتاد لتحسم منذ البداية للهكسوس الذين قتلوا سقنن رع وحطموا رأسه بالرماح والبلط، وهو المشهد الذى صوره المؤرخ و الاثرى اليوت سميث بأنه كان هجمة غادرة، عندما تسللوا من خلفه وطعنوه بخنجر وراء أذنه اليسرى فغاص الخنجر فى عنقه. وكانت الضربة مفاجئة فلم يقو أن يدرأ عن نفسه ضرباتهم.
أهكذا كانت نهاية البطل الجسور الذى لم يتراجع جيشه، هذا ما كان يشغل عقل جنود الجنوب وهم يعاودون الهجوم بأقل القليل من الرجال حتى يمنحوا أسرته الفرصة فى الخروج من طيبة، واللجوء إلى بلاد النوبة.
فالهزيمة تعنى أن يعود خيان رسول أبوفيس اللعين إلى طيبة ليتسلمها من أهلها هذه المرة،بعد أن دخلت جيوش الهكسوس وأغلقت الحدود بين مصر والنوبة.
مشهد لن تنساه مصر المحروسة على مر تاريخها وأزماتها، وإن أراد محفوظ أن ينهيه سريعا بصباح آخر يعود فيه شاب من النوبة طالبا دخول طيبة، ولم يكن أمامه سوى تقديم هدايا تفتح الأبواب فلا قبل للرعاة الهكسوس بمقاومة بريق الذهب.
هذا ما اراده التاجر الشاب اسفتيس أو أحمس الذى لم يعلم الهكسوس هويته، ولكن القدر شاء أن يلفت نظر ابنة الحاكم وجود قزم على السفينة، و عقد من الذهب يحمل قلبا من الزمرد.
لم يكن هذا اللقاء مجرد حادث عابر، فابنة أبوفيس قاتل المصريين تحب أحمس الذى يسعى لتحرير البلاد، وقد منحها العقد صاحب قلب الزمرد، وهى فى المقابل تنقذ حياته من أحد قادة الهكسوس الغاضبين.
لم يكن كل ما جرى بينهما فى حسابات عقل وقلب أحمس الذى أراد فقط أن يقنع الهكسوس بمهمته كتاجر حتى يتثنى له جلب أكبر عدد من أهل الجنوب معه إلى النوبة ليكونوا نواة لجيش مصر الكبير، وخاصة أن نباتا النوبية تحولت إلى مصنع لصناعة السفن والعجلات الحربية، ليجد أهل مصر السلاح والعتاد وينطلق الجيش من جديد بقيادة كامس بعد عشر سنوات فى مهمة لإنقاذ مصر.
كانت المعركة شديدة فى طيبة، وقد أظهر أهل مصر ثباتا وتقدما، إلا أن الهكسوس يصلون إلى الفرعون كامس بسهامهم فيسقط صريعا كما حدث لأبيه سقنن رع.
لا يجد أحمس أمامه الا التقدم بثقة لهذه المهمة الجليلة حيث يثبت الأسطول المصرى مقاومة كبيرة، ليهاجم بعدها الفرعون الشاب قلب جيش العدو فترجح الكفة المصرية.
ومع هذا لا يتوقف الأمر عند هذا الحد ليعلن المصريون انتصارهم، فقد كان لابد من مبارزة نفس الحاكم الذى قتل سقنن رع، وكان لابد من ثمن كبير دفعته النساء و الأطفال المصريين الذين استخدمهم الهكسوس كدروع بشرية.
هؤلاء هم ثمن الحرية الذى دفعته مصر التى تقدمت تستعيد أرضها، حتى جاء دور مدينة هواريس أو أفاريس التى أجلى عنها الهكسوس فى مقابل اطلاق أحمس لسراح الأميرة الأسيرة ابنة أبوفيس لتنتهى قصة لم تكن تكتمل لتجمعهما .
فلا العداوة تقترن بالحب، ولا مصر ترضى أن يكون لها شريك فى قلب أحمس.
معركة طويلة لتعود البلاد موحدة من جديد، فمصر التى عاشت تاريخا طويلا وسنوات أصعب من أن تعد تعرف تفسيرات الحياة التى تقف فى صف الحقيقة والضمير و العدالة فى أوضح صورها.
وقضيتها لم تكن فى وجود هؤلاء الهكسوس أو حتى تفسير دخولهم إلى مصر، ولكنها خاصة بأهل مصر عندما يتراجعون عن قيم التحضر و قوانين وتقاليد اتفقوا عليها منذ اعلان أول دولة فى تاريخ البشرية على أرضها.
فإذا لم تكن مجتهدا كالعالم وصابرا كالفلاح و مبدعا كالفنان والعامل لما استطاعت أن تحقق شيئا ولتكالب على أرضك أخرون من كل جانب.
مجرد خواطر طاردتنى عند متابعتى لهذه الملحمة الجميلة ومبدعها نجيب محفوظ الراحل عنا منذ عشر سنوات والتى تذكرنا بأهم انتصار حققته مصر فى تاريخها القديم.
وربما أيضا لأنه الخريف الذى تعود منذ آلاف السنين أن يأتى معلنا إشراق سنة مصرية جديدة...فتحية إلى أهل مصروكل ما هو أصيل فى بر مصر. ولا ننسى من انتصر فى خريف 1973. وهى قصة مصرية عظيمة أخرى فى تاريخ مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.