بدأ عدد من كبار الكتاب السياسيين فى أمريكا يركزون على مسائل لم يسبق أن اقتربوا منها بهذا الشكل فى فترات حملات الرئاسة فى التاريخ الأمريكى، من أهمها لماذا يكذب المرشحون للرئاسة ؟، بعض من تناولوا هذا الموضوع يرون أن إطلاق الأكاذيب فى سباق الانتخابات الرئاسية يمكن أن يكون نذيرا لما قد يفعله نفس المرشح حين يصبح رئيسا للولايات المتحدة خاصة فى مجال علاقاتها الخارجية مع دول العالم. وفى أكثر من مقال للكاتب الصحفى الأمريكى بول كروجمن فى صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن أكاذيب المرشحين والرؤساء أشار إلى أن جميع السياسيين هم بشر، وبالتالى يعمدون أحيانا إلى حجب الحقيقة، والسؤال هو، إلى أى مدى هم يكذبون؟، ومقدار ما يترتب على هذه الأكاذيب؟، ويقول إن هناك خلافات كثيرة حول تحديد الحقائق التى تكون مريحة للمرشح حين يقولها، ففى عام 2000 حين بدأت أكتب، والكلام على لسان كروجمن، أول مقال فى صحيفة «نيويورك تايمز» فقد أفهمونى ألا أستخدم كلمة الكذب عما يتردد من أكاذيب لسياسة جورج بوش، وكما أتذكر فقد أخبرونى أنه من غير الملائم أن أكون فظا تجاه مرشح لأحد الحزبين الرئيسيين، وربما يكون هناك شىء من هذا مازال موجودا الآن، وأن قليلا من رجال الإعلام هم الذين يقبلون حقيقة أن الحزب الجمهورى إختار شخصا أكاذيبه شديدة الوضوح ومتكررة. فقد جاء المرشح الجمهورى دونالد ترامب بشىء جديد يمكن وصفه ب «بتكتيك الكاذب الكبير»، فأكاذيبه جاهزة وتتدفق وراء بعضها، وترامب يعتقد أن هذه الإستراتيجية ستبقى الإعلام محتارا بشأنه، وغير قادر على تصديق أن مرشح حزب رئيسى فى أمريكا يمكن أن يكذب كثيرا بهذا الشكل. أكاذيب ترامب متنوعة فهو ويشمل حتى الإحصاءات الخاصة بالجريمة ومعدلات البطالة، لكن معظم أكاذيبه عن نفسه ، وعندما يكذب فإنه يردد أكاذيبه أكثر من مرة. ومن أشهر أكاذيب دونالد ترامب قوله، انه كان معارضا لحرب العراق فى البداية، وهو ادعاء غير صحيح حيث كان مؤيدا لها كما هو معروف. أما بالنسبة للرؤساء السابقين، فلم يكن جورج بوش الابن أمينا فى كلامه عن الشئون الإقتصادية أو السياسية، فهو مثلا أعلن فى حملته الانتخابية اقتراحا بخفض الضرائب بنسبة كبيرة على الأغنياء، ثم أعلن فى تصريح أخر أنه كان يهدف إلى أن يشمل الإجراء الطبقة الوسطى، ومن الواضح أن التصريحين متناقضين مع بعضهما. وحين تعرضت وسائل الإعلام لواقعة البيانات السرية التى انتقلت إلى الإيميل الخاص المرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلارى كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية، فقد أنكرت الاتهامات التى وجهت إليها، لكن تلك الإتهامات ظلت تلاحقها وتشير إلى أن كلامها مخالف للحقيقة. لم تكن الأكاذيب بعيدة عن انتباه الناخبين فى جولة إنتخابات الرئاسة الحالية، وهى جزء من ضعف الثقة فى المرشحين المتنافسين، وهو ما عرضته صحيفة «التايمز» البريطانية فى تقرير بعنوان «أنت لا تحبها.. أنت لا تثق فيه: فكيف ستختار؟». وفى وقت يتنافس فيه أكثر مرشحين فقدانا للشعبية وهما هيلارى كلينتون ودونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فإن صحيفة «التايمز» قالت إن واحدا من كل خمسة من الناخبين لم يقرر حتى الآن من سيختاره، وهو ضعف الرقم الذى كان مسجلا فى انتخابات 2012، حيث كان واحد من كل عشرة ناخبين لم يقرر من سيختار. إن معظم التوقعات السياسية تطرح ومعها سؤال هو، هل لابد أن ننتخب إما ترامب أو هيلارى؟، بمعنى أن الناخبين يرون أن الإثنين لا يستحقان أصواتهم. المشهد الانتخابى فى الولاياتالمتحدة وصل إلى حالة لم يسبق أن عرفها الأمريكيون من قبل وهى، إقناع البعض بأن أصواتهم يجب ألا يعطوها لأى من المرشحين المتنافسين، وهو وضع شاركت فى إيجاده عوامل عديدة، بعضها يعود إلى تحفظات تجاه طبقة السياسيين التقليديين، إلا أنها ظهرت بصورة شديدة فى معركة التنافس بين هيلارى وترامب بسبب قلة الثقة فيهما معا، وبعد أن اعتبر بعض المحللين أن أكاذيبهما من أهم هذه العوامل. إلا أن تناول هذا العامل بالذات، وهو عامل الكذب، قد وسع من دائرة النظر إلى صفة الكذب فى حد ذاتها، والتى أظهرت أنها تنطبق أيضا على مرشحين سابقين، منهم من كانوا رؤساء لأمريكا.