ثمة قاسم مشترك بين الأزمات في سوريا واليمن وليبيا وهى أن الصراع بين السياسة والسلاح لم يحسم بعد, فالحلول والمبادرات السياسية المختلفة التى طرحت لم تنجح حتى الآن فى وقف القتال, كما أن الرهان على الحسم العسكرى لم ينجح أيضا فى فرض الحلول السياسية, ولذلك ظلت الأزمات تراوح مكانها فالمبادرات التى طرحت لحل النزاعات فى الدول الثلاث لم تنطلق من أسس صحيحة وإنما ارتكزت على سياسة الأمر الواقع وتوازنات القوى على الأرض, وهو ما يجعلها حلولا سياسية هشة وقابلة للانهيار فى أي لحظة, ففى الحالة اليمنية, فشلت مفاوضات الكويت فى إيجاد أرضية مشتركة بين الحكومة الشرعية وقوات المقاومة وبين ميليشيات الحوثيين وقوات المخلوع عبد الله صالح, نظرا لتعارض المرجعيات ومضمون الحل السياسى, ففى الوقت الذى يصر فيه الحوثيون ومعهم صالح على فرض الأمر الواقع وتشكيل مجلس سياسى مشترك لإدارة البلاد, تصر الحكومة الشرعية, التى تدعمها قوات التحالف العربى الذى تقوده السعودية, على ضرورة إنهاء كل مظاهر الانقلاب وعلى رأسها الانسحاب من المدن اليمنية وتسليم الأسلحة وفقا للمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطنى والقرار 2216, ولذلك استمرت الأزمة فى المربع الأول, كما أن الأفكار التى جاءت فى مبادرة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى لا تصب فى اتجاه الحل لأنها تقوم على التوصل لاتفاق سياسى وأمنى شامل أولا وتشكيل حكومة توافقية يشارك فيها كل الحوثيين وصالح وحكومة هادى بمعدل الثلث لكل طرف, أى تكرس نظام المحاصصة وتعنى ضمان سيطرة الحوثيين وصالح على الحكومة والدولة, كما أنها تتعارض مع رؤية الحكومة الشرعية والأطراف الداعمة لها فى تشكيل الحكومة التوافقية كمرحلة تالية بعد إنهاء انقلاب الحوثيين وصالح, وهذا يعنى استمرار الأزمة بلا حل. وفى الحالة السورية, وهى الأكثر مأساوية بعد أن أفضى الصراع إلى مقتل مئات الآلاف وملايين المصابين والمهجرين وتدمير مؤسسات الدولة, ما زالت أطراف الأزمة تراهن على الحل العسكرى لفرض الحل السياسى وهو ما فشلت فيه بعد خمس سنوات من الصراع, وفشلت كل المبادرات حتى الآن في إيجاد حل توافقى بين النظام والمعارضة نتيجة لتعارض رؤيتهما, حيث تصر المعارضة على تشكيل هيئة حكم انتقالى لمدة 18 شهرا, تكون مهمتها الإعداد لدستور جديد وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية واستبعاد الرئيس السورى وتنفذ القرار الدولى 2254, بينما يصر النظام, ومعه روسياوإيران وحزب الله, على تشكيل حكومة وحدة وطنية وإشراك المعارضة المعتدلة فيها واستبعاد التنظيمات التى تصنفها كإرهابية واستمرار الرئيس السورى, ولذلك تحطمت كل الحلول على صخرة هذا التعارض واستمر الحل العسكرى ومعها نزيف العنف والقتل. أما الحالة الليبية فرغم تشكيل حكومة الوفاق الوطنى بقيادة فايز السراج وفقا لاتفاق الصخيرات بالمغرب ودعم مجلس الأمن والمجتمع الدولى لها, فإنها لم تستطع تثبيت أركانها على كل الأراضى الليبية مع تحدى وجود سلطة موازية فى الشرق وعدم اعتراف برلمان طبرق بها, وانتشار الميليشيات المسلحة فى مختلف أنحاء البلاد, إضافة إلى تحدى تنظيم داعش. وفى الحالات الثلاث فإن الدولة شبه منهارة وخريطة القوى على الأرض تتسم بالتعقيد فى ظل تعدد أطراف الأزمة وتشابكاتها الخارجية مع قوى دولية وإقليمية تتعارض فى رؤيتها وأجندتها, ويمكن القول إن الدور الخارجى هو المتحكم الأساسى فى إدارة تفاعلات وتوجيه مسارات الأزمات الثلاث, فى ظل غياب واضح للدور العربى, وهو ما زاد من تعقدها وإطالة أمدها, حيث غذت الأطراف الخارجية حالة الاستقطاب الداخلى عبر دعم أحد أطراف الصراع سياسيا وعسكريا, وهو ما جعلها ترفض الحلول السياسية. كما أن الدور الخارجى سواء من جانب روسيا أو الولاياتالمتحدة أو إيران أو تركيا ينطلق من اعتبارات مصلحية لا تتوافق تماما مع المصلحة العربية أو فى اتجاه إنهاء الصراع, ولاشك أن استمرار الأزمات فى الدول الثلاث ليس فقط استمرار الخسائر البشرية والمادية ومعاناة شعوبها, بل إنها شكلت بيئة مواتية لنمو وتمدد التنظيمات الإرهابية والمتطرفة كداعش والقاعدة وغيرهما. إنهاء الصراع فى سوريا واليمن وليبيا لن يتحقق إلا إذا انطلق من رغبة حقيقية من جانب أبناء هذه الدول في وقف دوامة العنف وإدراك أن الحل بأيديهم أولا وليس بأيدى الآخرين, من خلال تسوية سياسية توافقية دائمة وشاملة تتجنب الاعتبارات الطائفية والعرقية واللغوية, وترتكز على الحفاظ على وحدة الدولة وتحقيق مصالحة وطنية حقيقية وإعادة اللحمة للنسيج المجتمعى الذى تمزق بفعل القتل والكراهية, وإقامة نظام ديمقراطى حقيقى يقوم على المواطنة والمساواة فى الحقوق والواجبات بغض النظر عن أي اختلافات أيديولوجية أو دينية, وتوجيه الموارد والجهود صوب الإعمار والبناء بدلا من القتل والخراب, والقناعة بأن الكل خاسر من استمرار دوامة العنف, ودون ذلك فإن المراهنة على فرض الحلول الخارجية يعنى استمرار حالة اللاحسم السياسى والعسكرى ومعها نزيف الدم والدمار فى الدول الثلاث. لمزيد من مقالات د . أحمد سيد أحمد