مما يثير العجب الشديد في هذه الأيام اننا حتي الآن لم نستطع استثمار ما أتيح لنا أخيرا من حرية الكلمة تحريرا ونشرا كما كان ولم يزل واجبا وكل الذي طرأ علينا للأسف أن مناقشاتنا الفكرية اشتدت ضراوة حتي اختلط فيها الخبيث بالطيب مع سلبيات التعصب للرأي وانكار حق الآخر واستثمار وثبات الاعلام الحديث وكثرة الصحف والفضائيات في الجري اللاهث وراء الشهرة التي قد تكون كاذبة ولكن عزاءنا أن هناك بعض الإيجابيات. ولقد لفتني أخيرا3 مقالات للشاعر الكاتب أحمد عبد المعطي حجازي في الاهرام خلال الاسابيع الماضية بعنوان العلمانية هي الحل وتناول العلمانية بفتح العين وكسرها ولكنه لم يوظفها كما يجب, بل قال إنها بفتح العين هي الطريق إلي الديمقراطية التي يجب أن تسود مع احترام الدين ومنعه من السيطرة وهو بهذا يتحرش ويفتعل المعارك مع صفوة علماء الدين الأجلاء الذين يجب احترامهم واحترام من وراءهم من الغالبية الغالبة من سواد الأمة من مسلمين وأقباط. والديمقراطية كما قالوا ويقولون عنها قديما وحديثا انها في أبسط معانيها رأي وحكم الشعب ومن قبل سيادة وسائل الاتصال بين الغرب والشرق ومنذ زمن طويل سار علي ذلك المسلمون بهدي الله ورسوله ففي قول الرسول الكريم لجميع المسلمين( لكم شئون دنياكم) تأييدا لذلك من الناحية العملية ومن الناحية الفكرية كان الاجماع في الأحكام الشرعية هو السيد. والعلمانية بفتح العين بلاتعقيد ولا لف ولا دوران لا علاقة لها اطلاقا بالديمقراطية من قربب ولا بعيد فهي نسبة إلي النظرية القديمة جدا للعالم دارون في التطور التي تقوم أساسا علي أن العالم أنشأ وطور نفسه ذاتيا من الجرثومة إلي الدودة إلي الحشرة الزاحفة إلي الإنسان علي أربع إلي الانسان الواقف وقد تكون هذه مراحل متطورة أو لا تكون فهذا له بحث آخر ولكن من الذي أوجد الإنسان أساسا وكيف أوجده وطوره وأنزل فيه الروح؟ وهذه النظرية ناقشها قديما كبار علماء المسلمين وفندوها وليس أوضح من قول القرآن الكريم القاطع( ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين). صدق الله العظيم آية14 سورة المؤمنون ونحن مع الكاتب حجازي إذا كان يقصد بأن العلمانية هي الحل بكسر العين فهي بهذا تنسب إلي العلم, العلم واستعمال العقل هو أمر الله سبحانه وتعالي في جميع الأديان, خاصة ديننا الاسلامي الحنيف بدليل البدء بكلمة اقرأ ثم( اطلبوا العلم ولو في الصين) ثم( انما يخشي الله من عباده العلماء) ثم(... هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) ؟ وغير ذلك الكثير فالعلم من أهم ضرورات الحياة وهو السبيل إلي الديمقراطية التي تنظم الحياة ماديا ومعنويا. أما العلمانية بفتح العين فعدد من أصحابها ببساطة شديدة لا يعترفون بالخالق ولا يؤمنون به وأما أن يجعل الأستاذ حجازي عنوان مقاله العلمانية هي الحل في مقابل الاسلام هو الحلفهذا تنابز بالعناوين. والمسلمون منهيون بالقرآن عن التنابز ولا تنابزواويلاحظ أن المقابل تلاعب بكلمة العلمانية وما زعم من علاقتها بالديمقراطية بعبارات عامة انخدع البعض ممن يكتبون هذه الأيام بها فقد جاء في صحيفة المصري اليوم2010/4/1للكاتبة أمل السمرائي التي يبدو أنها قرأت مقال حجازي إذ قالت ان العلمانية عقد اجتماعي يضمن للفرد الحرية والمساواة وهي دولة كل المعتقدات بفصلها الدين عن السلطة ويلاحظ اختصار التعبير وعدم وضوح ماهية المسميات أما الكاتبة أميرة خواسك فقد طرقت الموضوع في مجلة اكتوبر2010/3/28 في أول حديث مع شيخ الأزهر الجديد فضيلة الدكتور الإمام أحمد الطيب وبهذه المناسبة فنحن نفرح له ونهنيء الأزهرية وقالت الكاتبة انها ترجو تطوير الأزهر ليجمع بين الثقافتين الاسلامية ومعاصرة ظنا منها أن ثقافة الأزهر غير الثقافة المعاصرة والصحيح انها ثقافة واحدة قديمة ومعاصرة في نفس الوقت فهي الثقافة الاسلامية الراسخة التي تعتمد علي أصولها وقواعدها الثابتة وتمتد في فروعها الحديثة المعاصرة التي استنفذت من الواقع المعاصر والاجتهادات الموفقة والاتصالات المثمرة بالشرق والغرب وهي في حقيقتها ثقافة إسلامية متخصصة جدا يتوافر عليها فئة من كبار العلماء وقد جاء لفظ فئة في القرآن الكريم وهؤلاء المتخصصون هم أهل الفتوي وهناك الثقافة الاسلامية العامة التي يجب أن تسود المسلمين جميعا علي مختلف تخصصاتهم. وقد عاد الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي مرة ثانية للموضوع ومما جاء في المقال أن الحياة لا يمكن اخضاعها للمطلقات التي لابد منها في الحياة الدينية وإذا كان الوحي هو طريقنا لمعرفة الدين فالعقل هو طريقنا لمعرفة الدنيا والفصل بين الدين والدولة مبدأ من مباديء الديمقراطية وتحرير العقل وهذا كلام مردود عليه فالوحي هو قائد العقل ومرشده والعقل هو أداة الإنسان لادراك الوحي. وإذن فالفصل بينهما هراء في هراء ونسأل الله أن يجنبنا الأخطاء التي تجرنا إلي القضاء العادل الذي يرغمنا علي دفع الغرامات كعقاب نستحقه ولا نستطيع دفعه إلا بإرغام وزارة الثقافة المسكينة علي اختراع جوائز لنا غير شرعية وغير منطقية لدفع الغرامة والاستاذ حجازي يعرف ذلك جيدا وقانا الله جميعا شر أعمالنا ومقالاتنا. المزيد من مقالات محمد التهامى