ذوو قوة ضغط شديدة البأس، لا يصدنهم شيء عن الزحف نحو كل حى بالمدينة وعند أعتاب كل بناية تراهم قادمين! تحسبهم فرادى لا يعرف بعضهم بعضا وهم فى الجماعات سائرون، ملامح وجوههم بعيدة كل البعد حين تدركها أبصار الناظرين؛ شاردو نظرات العيون. وحين يشرق نور الصباح، يصحو هؤلاء من مرقدهم وفى كل صوب كسير الذئاب ينسلون، يتشعبون، ينتشرون شيئا فشيئا إلى أن تكتظ بهم طرقات المدينة عن بكرة أبيها دون أسباب، يكاد المرء يتشكك فى كون الليل قادراً على أن يعيدهم فى ذات يوم نائمين! صياحهم دائم لا ينقطع من لحظة أن تنفتح جفون أعينهم، كمثل طفل وليد لم يبلغ الحلم بعد ولن يكون؛ وفى مسيرهم فرط إزعاج بحك الأرض ولو بأقدام حافية وهم صامتون! ضحكاتهم ليست دليل سعادة أبدا، فلا تنخدع، وإنما هى الأقرب إلى طاقة صوتية يصدرونها إيحاءً بأنهم (لخاصية الضحك) ممارسون؛ و إن تفكر مليا وتمعن الفكر لن تعرف أبدا فيما هم يضحكون! حزنهم شديد الوطيس، عويلهم عويل يبلغ بهم حد التمرغ فى التراب، بل وإهالته من فوق الرءوس؛ تظن الحزن قد اعتصرهم عصرا إلى يوم يبعثون؛ وأن قائمة لن تقوم لهؤلاء يوما بعد اليوم، فإذا بك تجدهم عادوا إليك كدأبهم مصبحين! غضبهم ملؤه فرط عنف؛ يود الواحد منهم لو يقتل الناس جميعا على أهون سبب؛ ملء عينيه رغبة عارمة فى رؤية الدماء تنهال من الخصوم ؛ وحبذا لو أن غضبته تسببت فى اتلاف المكان.. كل المكان! فرحهم فرض عين على الجميع؛ فالكل مدعو ليمارس الفرح بالقدرنفسه معهم حين يفرحون، فإن لم يكن طوعا, فليكن كرها ما داموا فرحين! و فى الأسواق هم منتشرون، لا يبتاعون شيئا أبدا أو يشترون، هم فقط موجودون، يجيدون فن الزحام والتزاحم والتراشق بالأجساد ، لا يزعجنهم أبدا أن المسافة فيما بينهم أدنى من الصفر؛ وبالنظرات والألفاظ والحركات متحرشون! وفى الأعياد تجدهم عليك تترى يتوافدون؛ لا تعرف أولهم من آخرهم؛ تكاد العين تظن أنهم كمثل الجان بالانشطار يتكاثرون؛ كلما رحلت جماعة منهم، حل محلها قوم يشبهونهم إلى حد التطابق آخرون، يكاد المرء يظن أنهم لم يبرحوا المكان لطرفة عين... ولكن هيهات؛ فهؤلاء قوم وهؤلاء قوم، ولكن أغلب الناس لايشعرون! لاتستهويهم سوى غرائب الموضات وثياب تنم عن سوء فهم للدنيا و(الدين) ! وفى ميادين الرياضة هم إما الفائزون أو هم أيضا (الفائزون)؛ فإن هم شابتهم شائبة هزيمة، أقاموا الدنيا جميعا ولا يقعدون! وفى الثورات هائجون، متحمسون، جاهزون للاشتعال فى كل وقت بغضب يتعاظم فى عقولهم (بالإيحاء) ليس إلا؛ يكاد المرء يصدق أنهم مدركون لمعانى غضبتهم والأسباب، و فى قرار أنفسهم هم فى الحقيقة لا يدركون! وفى الإحساس بالوطن هم أبعد مايكون؛ يسخرون، يتلامزون، فإن هم بلغت بهم (نشوة الوطنية) أشدها، يخربون ويحرقون فيهرولون.. وعند أطراف الحرائق تجدهم فى النهاية يضحكون!! ...عن طراز غريب من بشر جديد يحيا بيننا أتحدث؛ ولست أدرى أى أسباب تضافرت جميعها لتخرج علينا بهذا (الإفراز) من رحم الأيام، ولكنى على يقين تام من أنهم موجودون موجودون ؛ وأن الاعتقاد بأن فى تجاهل وجودهم؛ أو تأخير أولوية المواجهة معهم ما من شأنه أن يولد حلا بضمان مرور الأيام، هو نوع من الانفصام عن واقع أليم. أرى الدولة منشغلة فى البناء والتشييد ومواجهة شظف العيش وهذا واجبها؛ ولكنى لا أرى جهازا إداريا واحدا منشغلا (حق انشغال) بإعادة تربية وتأهيل و(صد) هؤلاء.. وأخشى ما أخشاه أن نتحول كمن سافر وراء لقمة عيش عائلته لسنوات، فلما عاد وجد حطام أبناء من حوله، فلم يغن عنه ماله وما كسب، فأصبح يقلب كفيه..وذلك هو الخسران المبين! لمزيد من مقالات أشرف عبد المنعم