ما بين الثوابت والمتغيرات يتراوح موقف موسكو من الاحداث في سوريا منذ اندلاعها مع مطلع ربيع العام الماضي. فبعد تأييد حاسم جارف للنظام استخدم فيه الكرملين حق النقض في مجلس الامن لحمايته مرتين عادت موسكو لتقول ان الفيتو لم يكن يوما تبرئة للنظام بقدر ما كان حماية للشرعية الدولية, في نفس الوقت الذي تكشف فيه اليوم عن بوادر احتمالات لتطبيق السيناريو اليمنيمقدمة لرحيل بشار الاسد الذي قال الرئيس بوتين ان موسكو لا تحميه. واقع اليوم يقول ان المذابح في سوريا يمكن ان تكون علامة فارقة في تاريخ الصراع الدائر اليوم في الساحة السورية وهي التي تبدو وقد اعتمدتها موسكو نقطة انطلاق بعيدا عن حالة الجمود التي تعيشها مهمة كوفي أنان مبعوث الاممالمتحدة والجامعة العربية الي سوريا. فها هي موسكو تقول رسميا بضرورة اعتماد تقرير أنان حول تطورات الاوضاع في سوريا قولا فصلا لتحديد ملامح المشاورات الدولية واتخاذ القرار المناسب للخروج من المازق الراهن هناك.وكانت موسكو الرسمية كشفت ايضا عن انها في سبيلها الي خطوات اكثر فعالية من اجل انهاء النزاع القائم في سوريا من منظور الثوابت التي طالما استند اليها موقفها تجاه هذا النزاع وفي مقدمتها عدم التدخل العسكري الخارجي, واعتماد الحوار السياسي بين كل الاطراف المعنية سبيلا رئيسا للخروج من المأزق الراهن. وفي هذا السياق يمكن تلمس بعض المتغيرات التي طرأت علي الموقف الروسي و كشف عن بعض ملامحها ميخائيل بوجدانوف نائب وزير الخارجية الروسية المسئول عن ملف البلدان العربية ومبعوث الرئيس الروسي الي سوريا. وكان بوجدانوف كشف في تصريحاته لالاهرام عن ان موسكو لن تحدد موقفها من مجريات الاحداث الراهنة في سوريا الا بعد تلقي نتائج مهمة انان في سوريا. واضاف بوجدانوف ان لافروف وزير الخارجية الروسية علي اتصال دائم بانان الذي قال ان موسكو تنتظر قدومه اليها في القريب العاجل, مؤكدا ان خطته ذات النقاط الست أساس لا بديل عنه لإيجاد حل سياسي دبلوماسي للأزمة. واذ اعترف بوجدانوف بان الوضع في سوريا بات معقدا للغاية ولا يطرأ عليه اي تحسن, قال بضرورة عدم استباق الاحداث باحكام احادية الجانب, وكشف عن استعداد موسكو لامداد بعثة أنان بخبراء القانون الجنائي للتحقيق في مذبحة الحولة في حال طلب ذلك مبعوث الاممالمتحدة والجامعة العربية. وفيما اشار الي ان المعارضة السورية لا تزال منقسمة علي نفسها بما في ذلك ازاء ما تطرحه موسكو من مقترحات حول اجراء الحوار السياسي كشف عن ان بلاده تطرح نفسها وسيطا بين الجانبين حكومة ومعارضة وهي التي لا تزال تستقبل ممثلي كل الاطراف المعنية بمن فيها من يطلب عدم الاعلان عن ذلك. وقال ان الحوار كان ولا يزال احد نقاط خطة انان مشيرا الي ان اهم اهداف المرحلة المقبلة ينحصر في ضرورة وقف العنف واطلاق سراح المعتقلين والتحول نحو الحوار لبحث شروط المرحلة الانتقالية وتحديد الاسماء المدعوة لتقلد مناصب الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الحكومة. وقال ان موسكو يمكن ان تستضيف الحوار غير المباشر بين الاطراف المعنية, معربا عن استعدادها لاستضافة الفريقين المتحاورين في غرف متباعدة علي ان تقوم بتلقي طلبات كل طرف كتابة ليرد الطرف الاخر عليها كتابة. اما عن السيناريو اليمني فلم يستبعده بوجدانوف وإن اشار الي اختلاف الظروف والملابسات بين الاوضاع في سوريا والاوضاع اليمنية. وقال ان المعارضة اليمنية كانت منظمة فيما كانت تمثل بشخصيات معروفة ومنها من كان في السلطة مشيرا الي باسندوة رئيس الحكومة اليمنية والقربي وزير الخارجية الذي كان وزيرا في حكومة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. واضاف ان مبادرة السيناريو اليمني انطلقت عن مجلس التعاون الخليجي وايدها مجلس الامن الدولي بالاجماع فيما اشار الي ان مثل هذا النموذج يمكن مناقشته بالنسبة لسوريا, وهو ما يمكن ان تؤيده موسكو لتحقيق الوفاق الوطني والاتفاق حول شروط المرحلة الانتقالية وهي الامور التي قال ان الاطراف السورية مدعوة لمناقشتها والبت فيها وإن اعرب عن عدم ارتياح بلاده لتشرذم المعارضة وعدم الاتفاق فيما بينها حول مواقف موحدة. ودحض بوجدانوف ما يقال حول دعم الحكومة السورية بالاسلحة في مواجهتها مع المعارضة مؤكدا ان الاسلحة التي تحصل عليها سوريا من موسكو بموجب اتفاقيات موقعة لا تتناقض مع متطلبات الشرعية والقانون الدولي لا يمكن استخدامها ضد المدنيين بوصفها اسلحة دفاعية ومنها المنظومات المضادة للصواريخ. اما عن مستقبل الرئيس الاسد فتبدو موسكو وقد حسمت خيارها من منظور ان مثل هذه الامور يجب ان يقررها الشعب السوري وهي التي سبق وقال زعيمها بوتين خلال لقائه مع الرئيس الفرنسي الجديد اولاند في باريس ان موسكو لا ترتبط معه باية علاقات خاصة, كما سبق وطالبه ميدفيديف بالرحيل في حال عجزه عن تحقيق الاصلاحات.