استيقظ المجلس الأعلي للجامعات من غفوة طويلة ليعلن لنا - لافض فوه - ان التعليم المفتوح منذ نشأته حتي الان لم يرد به أي نص قانوني في قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 ولائحته التنفيذية ، وأنه يجب اتخاذ تدابير جذرية بشأنه. وهكذا ، وقبل أيام قليلة من بدء عام دراسي جديد ، يقف الراغبون في الالتحاق ببرامج التعليم المفتوح المعمول به منذ سنوات حائرين متساءلين لايعرفون إذا كان تم إلغاؤه ام تعديله ؟ وماجوهر التعديلات التي تمت علي هذا النظام وكان يجب شرحها وايضاحها للراي العام؟علي حد علمنا ، فإن المجلس الأعلي للجامعات شكل لجنة رأسها الدكتور أمين لطفي رئيس جامعة بني سويف وضمت عددا من بعض رؤساء ونواب الجامعات الحكومية وبعض المتخصصين والخبراء لدراسة أوضاع التعليم المفتوح بهدف تطوير جودته لمواجهة التطورات الحاضرة والمستقبلية في سوق العمل. لكن الدراسة التي أعدتها اللجنة الموقرة أثبتت أن نظام التعليم المفتوح أفرز عن نمط ليس له نظير في جميع دول العالم ، حيث أصبح نسخة مكررة وممسوخة من التعليم النظامي ، مما جعله محل انتقاد ، حتي من وجهة نظر الجامعات المصرية التي تديره، فضلا عن رفض سوق العمل وأصحاب المصالح من النقابات المهنية والجمعيات المهتمة بالمهنة ، الذين طالبوا بتطوير جودة مخرجات أو الغائه، نظرا لأنه- من وجهة نظرهم - يفرز خريجين حاملين علي شهادات معادلة لبرامج التعليم النظامي لكنها غير صالحة وغير ملائمة لبيئة العمل. وطبقا للدراسة التي اعدتها اللجنة فان معظم البرامج التي يقدمها في كليات الجامعات المصرية تعتمد علي دراسة نفس البرامج الخاصة بالتعليم العادي ، مما يعد تكرارا ! ، بل ويقدم بصورة ممسوخة.بل إن أطرف ماورد في هذه الدراسة الشيقة أن السادة أعضاء اللجنة اكتشفوا أن غالبية برامج التعليم المفتوح لاتستخدم تكنولوجيا التعليم والاتصالات ! ..أي نوع من التكنولوجيا الذي يمكن أن يستخدمه طالب في نظام اسمه التعليم المفتوح ليس ملزما بحضور المحاضرات ولا بتدريب عملي ، ويعرف القاصي والداني وكل من له صلة بالتعليم المفتوح ان الدراسة فيه مرتبطة بيوم الجمعة فقط ، حيث تتيح المدرجات الخالية فرصة سير العملية التعليمية لهذا النوع من التعليم ، إذ يستحيل استخدام المدرجات في الأيام الستة الأخري من الأسبوع لكثافة اعداد الطلاب في جميع الكليات واستحالة الجمع بين نظامين تعليميين في وقت واحد. وقد توصلت لجنة المجلس الأعلي للجامعات الي قرار ، لااعتقد انه سيكون محل اهتمام وتجاوب من الراغبين في استكمال تعليمهم العالي. ان القرار الذي أصدرته اللجنة ينص علي أن يمنح النظام الجديد للتعليم المفتوح شهادة مهنية لبرامج متخصصة مهنية معتمدة من المجلس الاعلي للجامعات لاكتساب الدارسين مهارات وخبرات تطبيقية مهنية في ضوء معايير جودة عالية !! ولك أن تضيف عزيزي القارئ ماشئت من علامات تعجب الي هذه الجملة الاخيرة !.. لكن : كيف ستسير الدراسة في هذا النظام الجديد ؟ يقول لنا المجلس الأعلي للجامعات : ان مدة الدراسة بهذه البرامج الجديدة ستكون مابين 6 أشهر الي سنتين لإعطاء الطالب شهادة مهنية متوسطة . ويجوز للذين اجتازوا شهادة الدبلوم المهني لمدة سنتين استكمال برنامج الشهادة المهنية المتخصصة لمدة عامين آخرين للحصول علي الشهادة المهنية ( بكالوريوس أو ليسانس مهني ) في ضوء البرنامج المقدم. لكن ماالشروط التي يجب أن تنطبق علي من يرغب استكمال تعليمه بعد الانتهاء من مرحلة الدبلوم المهني والوصول الي مرحلة البكالوريوس أو الليسانس ؟ لم تجب دراسة المجلس الأعلي للجامعات عن هذا السؤال ولم توضح للراي العام حقيقة مستقبل هذا النوع من التعليم . هل هناك اتجاه لترشيده ام لترقيعه ام لالغائه؟ أسئلة كثيرة مطروحة بلا إجابات واضحة ، خاصة إذا عرفنا ان عددا من السادة رؤساء الجامعات غير موافقين بالمرة علي ماتوصلت إليه لجنة الدكتور أمين لطفي من قرارات ، إذ يعتبر التعليم المفتوح ، الذي يضم حاليا مايقرب من 600 الف طالب ، موردا ماليا من موارد الجامعات . ان قضية التعليم المفتوح في الجامعات المصرية يجب أن تناقش بعمق والا تقتصر المناقشة علي أعضاء لجنة شكلها المجلس الأعلي للجامعات لبحث جوانب المسألة في غرف مغلقة ، إذ يجب إشراك الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في هذه المناقشات للإجابة علي أسئلة حائرة لدي من يلتحقون بهذا النظام ، بشأن مستقبلهم الوظيفي وهل يحق لكل من يحصل علي مؤهل من التعليم المفتوح تسوية حالته الوظيفية ؟ وهل هناك نص قانوني واضح في هذا الشأن؟ .. لكن القضية المثيرة للجدل ، تكمن في تلك المقترحات التي وضعتها لجنة الدكتور أمين لطفي والتي تركت الباب مواربا لمن يحصل علي دراسة مدتها عامان ، دون أن توضح شروط الانتقال الي مرحلة تمنح الطالب مؤهلا جامعيا. إننا، علي حدعلمنا المتواضع ، لانجد إلا جمودا وحركة متكلسة في الأوساط الجامعية إزاء الوضع الجديد . فلا لجان القطاعات بالمجلس الأعلي للجامعات تلقت برامج جديدة لمناقشتها واعتمادها ، ولا المسؤولون عن التعليم المفتوح بمعظم الجامعات يدركون حقيقة مستقبله!.. الرؤية إذن غامضة وتحتاج لقرارات حاسمة واضحة في شأن هذا النوع من التعليم ، ونرجو إلا تنساق اللجنة الموقرة المشكلة لهذا الغرض ، لما تنشره بعض الاقلام في بعض الصحف ، والتي تتناول القضية في بعض الأحيان مبتورة غير مكتملة الجوانب. ادرسوا القضية جيدا قبل اتخاذ قرار نهائي بشأنها. وثقوا أن سياسة ترقيع اي نظام تعليمي ضررها أكثر من نفعها . إننا مع الترشيد العلمي السليم ، لاالترقيع لذي يصيب جسد المجتمع بأورام قد يكون معظمها خبيثا! * استاذ الصحافة بجامعة بنها لمزيد من مقالات د. عبدالله زلطة