بعد أيام قليلة تمر الذكرى الخامسة والسبعون على رحيل الاقتصادى العظيم طلعت حرب الذى يعد وبحق مؤسس النهضة الصناعية بالبلاد فتأسيس بنك مصر فى 13 ابريل 1920 لم يكن يهدف الى ان يكون بنكا تجاريا فحسب بل وكما ذكر أريك ديفيز فى كتابه تجربة بنك مصر ان الهدف الرئيسى كان انشاء كيان قوى يعد كشركة قابضة للمؤسسات المصرية وان يكون القوة المحركة لقطاع صناعى حديث ولهذا انشأ مجموعة من الشركات فى مجالات عديدة كالغزل والنسيج والنقل والتأمين والسينما. الخ. وهى العملية التى جرت بعد ان قام بدراسة شاملة ومتكاملة للأوضاع الاقتصادية السائدة آنذاك وآليات الخروج منها والتى وضعها فى كتابه (علاج مصر الاقتصادى الصادر 1913). والشطر الثانى من عنوان هذا المقال كان عنوانا لكتاب المفكر الاقتصادى الراحل د. عبدالرازق حسن والصادر عام 1951 وتناول فيه بالشرح والتحليل الأوضاع السائدة وسبل الخروج منها. وهو ما يدفعنا للتساؤل ماذا عن الموقف الحالى للقطاع الخاص المصري؟ وبعبارة اخرى الى أى مدى يتحرك الاستثمار الخاص فى سبيل المساهمة لإخراج الاقتصاد من عثرته ويرجع السبب فى طرح هذا التساؤل الى الدور المهم والحيوى الذى يقع على كاهله خلال المرحلة الراهنة التى تمر بها البلاد وتطلب مشاركة فعالة وقوية لهذا القطاع إذا أراد ان يكون شريكا حقيقيا وفاعلا فى العملية التنموية. ويتمحور هذا الدور أساسا فى الاستثمار الجاد والبعد عن الاستثمارات العشوائية، كما يحدث الان. وهنا نلحظ ان مساهمة القطاع الخاص فى إجمالى الاستثمارات المنفذة خلال الفترة الماضية تراجع من 62.4% من اجمالى الاستثمارات المنفذة عام 2011/2012 الى نحو 55.6% عام 2014/2015 وتقدر ان تصل الى 53.6% عام 2015/2016 الامر الذى ادى لتدخل الدولة لتحل محل هذه الاستثمارات فى محاولة للحفاظ على معدل النمو عند مستواه القائم والمنخفض أصلا ومازال دون المستوى المأمول خاصة على الصعيد القومى اذ لا يتعدى 15% من الناتج المحلي،وهو ما ادى الى تراجع مساهمة الاستثمار فى النمو الى 0.9% عام 2015/2016 مقابل 1.2% عام 2014/2015. بينما أجمعت كافة الدراسات العلمية على ان احداث العملية التنموية المطلوبة لامتصاص البطالة بالبلاد والحد من الفقر، يحتاج الى معدل استثمار يتراوح بين 25% و30%.وعلى الجانب الاخر نلحظ انه ورغم التحسن الذى برز مؤخرا فى دور القطاع الخاص فى التشغيل (وفقا لمؤشرات بحث القوى العاملة) حيث بلغ معدل النمو فى متوسط المشتغلين فى القطاع الخاص المنظم خلال السنوات الخمس(2011/2015) مقارنة بالسابقة عليها نحو17.1% اذ ارتفع من 5.1 مليون مشتغل الى 6 ملايين بينما بلغ معدل النمو لدى القطاع الخاص غير المنظم نحو 6.2% حيث ارتفع من 10٫7 مليون الى 11.3 مليون خلال نفس الفترة. مع ملاحظة ان معظم الزيادة تمت خلال العامين الماضيين. وهو اتجاه جيد نأمل ان يستمر. وبالتالى هناك دور مهم وحيوى يقع على كاهل القطاع الخاص ويتمحور أساسا فى المساهمة الجادة والحقيقية فى إعادة دوران عجلة الاقتصاد،وهنا يمكن ان تبادر جمعيات رجال الاعمال والمستثمرين واتحاد الصناعات والغرف التجارية بالعديد من الاجراءات المهمة مثل العمل على تخفيض أسعار المنتجات الرئيسية والتى يستهلكها السواد الأعظم من الجمهور، وهى مسألة تحقق مصلحة الطرفين فمن جهة تتيح للمستهلك السلعة بأسعار مناسبة، ومن جهة اخرى تؤدى الى زيادة الطلب عليها ومن ثم تنشيط عجلة الإنتاج واعادتها للدوران مرة اخري. وبعبارة اخرى يجب المواءمة بين اعتبارات الربح من جانب المستثمرين وحق المواطن فى الحصول على السلعة بأسعار مناسبة، وبالتالى فان تخفيض الأرباح بنسبة معقولة لن يؤثر على حجم الاستثمارات التى يقوم بها هذا القطاع. وهنا قد يرى بعض المستثمرين ان الظروف الحالية غير مشجعة على ذلك فى ضوء الزيادات المستمرة فى تكاليف المدخلات سواء تعلق ذلك بأسعار الطاقة او غيرها من مستلزمات الإنتاج، وعلى الرغم من الوجاهة النظرية فى هذه المقولة الا انها ليست صحيحة على الاطلاق فمازالت معظم التكاليف الأخرى ثابتة ومعقولة الى حد كبير فمازال العامل المصرى من أرخص الأجور خاصة مع رفض تطبيق الحد الأدنى للأجور من جانب معظمهم. ومازالت أسعار مدخلات الإنتاج، رغم زيادتها خلال الفترة الماضية، مناسبة تماما إذا ما قورنت بالبلدان المنافسة. وفى هذا السياق أيضا يجب إعادة صياغة لغة الخطاب اذ غالبا ما تتم المساومة مع الحكومات لانتزاع بعض المكاسب لتنفيذ سياسات معينة، فحين تطالب الحكومة القطاع الخاص بإنجاز مهمة محددة نجده يشترط شروطا كثيرة وصعبة التحقيق مما يعوق المفاوضات او الاتفاق وهى أمور تنبع من الحرص على المصالح الشخصية واهمال. من هذا المنطلق أيضا يمكن العمل على وضع آلية مناسبة لسداد المتأخرات المستحقة للحكومة والتى لم يتم تحصيلها خاصة لمصلحة الضرائب التى وصلت فيها المستحقات إلى نحو 85 مليارا فى نهاية يونية 2015 يقع معظمها لدى القطاع الخاص بقيمة 54 مليارا (64% من الإجمالي) وعلى الصعيد النوعى فإن معظمها على النشاط التجارى والصناعى بنحو 29.7 مليار جنيه يليها شركات الأموال بحوالى 23.3 مليار. على الجانب الآخر فعلى الحكومة المبادرة بإصلاح المناخ الاستثمارى الحالى مع البدء فورا فى دراسة اعادة تشغيل المصانع المتوقفة عن الانتاج او تلك التى تعمل بأقل من طاقاتها الانتاجية. والانتهاء من تسوية المنازعات الخاصة بالملكيات العقارية فى شأن اسس تسعير الأراضى وحقوق الاستغلال والانتفاع. وتيسير استصدار التراخيص للمنشآت الاقتصادية على اختلاف انواعها. وضمان كفاءة عمل الية السوق بما يعنيه ذلك من توفير الظروف التى تجعل تفاعل قوى العرض والطلب يتم فى إطار حقيقي. مع ضمان التخطيط الاستثمارى السليم. لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالي