كتبت : ياسمين أسامة فرج يعيش المواطن الأوروبي منذ نحو عامين حالة من القلق البالغ علي حاضره ومستقبله بسبب أزمة الديون السيادية التي تعصف بمنطقة اليورو وتهدد الاقتصاد العالمي بأسره, ومع طول انتظار الحل دون جدوي ووسط تصاعد الاحتمالات بتفكك منطقة اليورو, تحول قلق الاوروبيين إلي غضب عارم فخرجوا إلي الشوارع منددين بسياسات التقشف التي تتبناها حكوماتهم, وترجموا غضبهم في إسقاط عشر حكومات أوروبية خلال15 شهرا, بل و قد دفع اليأس بعضهم إلي الانتحار لتصل نسب الانتحار بسبب الازمة الاقتصادية إلي أعلي مستوياتها في اليونان وإيطاليا. وبعيدا عن التداعيات الاقتصادية الكارثية لتفكك اليورو والتي قد تسفر عن كساد اقتصادي عالمي أكثر عمقا من الكساد الذي ساد العالم في الثلاثينيات من القرن الماضي. فهل لنا ان نتخيل التأثيرات الاجتماعية و السياسية لتفكك أكبر تكتل مالي في العالم. يحذر إدواردو كامبانيلا المستشار الاقتصادي بمجلس الشيوخ الإيطالي, من أن استمرار ارتفاع معدلات البطالة و التي وصلت إلي11% في منطقة اليورو التي تضم17 دولة قد يؤدي إلي انتفاضات شعبية واسعة أو ما وصفه بالربيع الأوروبي علي غرار ثورات الربيع العربي التي أسقطت الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط, حيث إن تهميش الشباب الأوروبي وإقصاءه عن عمليات صنع القرار وسقوطه في غيابات الفقر والبطالة من شأنه أن يحدث زلزالا اجتماعيا يهز القارة العجوز ويؤجج بداخل الشباب غضبا عارما فيصرخ مطالبا بالتغيير وإن لم يتم الاستجابة لمطالبه فسيلجأ إلي العنف الذي بكل تأكيد سيؤدي إلي انعدام الاستقرار السياسي ومن ثم هروب المستثمرين ووضع البلاد في مأزق كبير. وقد بدأت بوادر هذا الزلزال الاجتماعي في الظهور بالفعل مع صعود حركات احتلوا المناهضة للرأسمالية التي نشأت في الولاياتالمتحدة العام الماضي, وحركة غاضبون التي تكونت في إسبانيا احتجاجا علي سياسات التقشف وارتفاع معدلات البطالة التي وصلت في إسبانيا إلي24%. ويضاف إلي ذلك الحركات التي تنتهج العنف وفي بعض الاحيان توصف بأنها إرهابية مثل حركة الفوضويون التي كشفت تقارير إعلامية صدرت الشهر الماضي عن أنها وجهت تهديدات بالقتل إلي الموظفين العاملين بمكاتب الاتحاد الاوروبي ببروكسل متهمة إياهم بالتسبب فيما وصلت إليه دول منطقة اليورو من أوضاع اقتصادية سيئة. كما أصدرت جماعة إيطالية تطلق علي نفسها الاتحاد الدولي للجماعات الفوضوية بيانا هددت فيه باغتيال رئيس الوزراء الايطالي ماريو مونتي وعدد من الشخصيات الإيطالية المسئولة وقالت في البيان إن الناس ليست مهتمة بالبقاء في اوروبا وانقاذ البنوك والمساعدة في موازنة حسابات دولة نهبت الاموال من اجل مصالحها. وهناك قضية أخري تثير مخاوف كبيرة في حالة تفكك اليورو ألا وهي قضية الهجرة, فعندما نعلم أن اعداد العاطلين في منطقة اليورو بلغت8,17 مليون شخص في أبريل الماضي, وفقا لإحصائيات يوروستات, حيث احتلت دول الجنوب الأوروبي مثل إسبانيا واليونان وإيطاليا والبرتغال مراتب متقدمة في قائمة البطالة, فمن المتوقع أنه في حالة تفكك تكتل العملة الأوروبية الموحد سيتدفق ملايين العاطلين من الدول الجنوبية إلي دول الشمال الاوروبي للبحث عن فرصة عمل بعد أن ضافت بهم السبل في بلادهم.ونجد هنا وزيرة الداخلية البريطانية تريسا ماي تؤكد أن بريطانيا وهي ليست عضوا في اليورو تبحث خططا طارئة لتقييد الهجرة إليها في حالة تفكك اليورو.وتري ما سيكون مصير ملايين الشباب الاوروبي العاطل إذا اغلقت دول الشمال أبوابها في وجهه. ومن الناحية الانسانية, فقد وصل حال بعض الاوروبيين المتضررين من الازمة الاقتصادية إلي حالة مأسوية حقيقية, فقد كشفت أحدث التقارير ان حالات الانتحار في اليونان باتت شبه يومية خلال السبعة الأشهر الماضية, كما شهدت إيطاليا ارتفاعا ملحوظا في ظاهرة الانتحار التي شملت رجال أعمال وموظفين وأرامل حتي وصل عدد المنتحرين في إيطاليا إلي24 شخصا منذ بداية العام الحالي. ومن ناحية أخري, فإن الألم الاقتصادي الذي يعانيه الأوروبيون عزز النزعة القومية لديهم إلي حد التطرف,وهذا ما ظهر في صعود كبير للاحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية خلال العامين الماضين ونصف العام الجاري. إن صعود هذه الأحزاب و توليها مهام قيادية في المستقبل من شأنه أن يقلب السياسات الخارجية والداخلية الاوروبية رأسا علي عقب فالتطرف والعنصرية ضد الاجانب والمهاجرين قد يخلق اضطرابات اجتماعية عنيفة واعمال عنف داخل أوروبا ويهدد المباديء الاوروبية القائمة علي احترام الحرية و التعددية. وفي جميع الأحوال فإن تفكك منطقة اليورو من شأنه أن يؤثر علي القيمة السياسية والجغرافية او الجيوسياسية- للاتحاد الأوروبي لأنه سيكون من المعلوم أمام العالم أجمع أن قادته فشلوا في حل الأزمة.