كتبت - يسرا الشرقاوي :مشحونة الأنباء الواردة هذه الأيام بأمثلة نظرية دائرة الإنقلابات و إن اختلفت تفاصيلها فهناك حالة الاحتجاجات السلمية التي انقلبت إلي أعمال عنف يتضاعف ضحاياها كل ساعة في تايلاند الذي جاء وليد انقلاب عسكري وتصويت برلماني غير شعبي. وهناك نموذج من طراز خاص في قيرغيزستان, حيث خرجت المعارضة علي رفيق ثورة التيوليب قديما والرئيس الحالي المتهم بالفساد وغيره. النموذج في قيرغيزستان ليس مجرد انشقاق بين حلفاء قدامي أبدا, بل أكثر من ذلك. مبدئيا, هناك قوة الشارع و غضب الفئات المهمشة التي شهدت نقض الرئيس كورمانبيك باكاييف- المخلوع و الهارب حاليا- لوعود قطعها بمكافحة الفقر و محاربة الفساد عندما كان يسير نحو القصر الرئاسي قبل خمسة أعوام يدا بيد- مع المنقلبين ضده اليوم- بعد إسقاطهم سلف باكاييف. رأي الفقراء أنهم يزدادون فقرا مع إرتفاع الأسابيع الأخيرة في أسعار الوقود وغيره من السلع.ثم كان التعامل الخشن لحكومة باكاييف وزجها بأغلبية زعمائهم وقيادات المعارضة قبل أيام إلي السجن, لتتطور المعادلة إلي جموع غاضبة و الشارع و قوات الأمن التي اتخذت أوامر باستخدام الذخيرة الحية, فانتهت الأمور إلي ما انتهت إليه. هناك أيضا رفاق باكاييف قديما في ثورة تيوليب وأبرز وجوههم وزيرة الخارجية السابقة في الحكومة المخلوعة روزا أتنوبيفا التي ترأس السلطة الانتقالية الحالية. شعر رفقاء الماضي بخيبة أمل إضافية لاستفحال الفساد في عهد باكاييف و تعيينه الكثير من أقاربه في وظائف قيادية و إعداد نجله ليخلفه وقمعه للمعارضة و الإعلام و هو الذي ثار ضد سلفه للأسباب ذاتها تقريبا.أضف إلي ما سبق, الأهمية الاستراتيجية لقرغيزستان جارة الصين والتابعة السوفيتية السابقة و مستضيفة القاعدة العسكرية الأمريكية التي تشكل محطة أساسية بالنسبة لحرب أفغانستان. هذه السمات جعلت من الدولة الصغيرة ساحة جديدة للصراع الكلاسيكي بين القوي وعكست انقساما طبقيا عنيفا وانعداما تاما للثقة في شرعية النظام الحاكم هناك العظمي كانت من حلقاته من تزامن من طلب باكاييف العام الماضي إغلاق القاعدة الأمريكية مع حصول بلاده علي مساعدات من روسيا التي ترفض مع الصين تواجد قدم لأمريكا في قيرغيزستان- بلغت ملياري دولار, ثم تراجعت بعد زيادة أمريكا قيمة إيجارها للقاعدة ثلاث مرات. و لا يمكن إنكار الدور الذي لعبته القوي الخارجية في الإطاحة بالمتلاعب بها باكاييف, فالرئيس ميدفيديف أكد أن باكاييف دفع ثمن أخطائه بل وحديث بعض فصائل المعارضة عن دعم روسي لما جري.ثم رفض أمريكا التعاون مع القيادة الجديدة و تحديد نشاط قاعدتها. الأسباب تعددت إذن و انتهت إلي ما انتهت إليه قبل سنوات من انقلاب و حكومة انتقالية و وعود بانتخابات قريبة. لكن المشكلة تكمن فيما كشفته زعيمة المعارضة روزا قبل سنوات من أن الشعوب إذا اعتادت الخروج إلي الشوارع و الانقلاب كوسيلة لتغيير حكامها في الأغلب تعاود الكرة إذا دعت الحاجة إلي ذلك.ما يضمن لروزا إذن استقرار الأمور خاصة أن مشاكل البلاد فادحة و يصعب حلها سريعا كما أن صراع القوي العظمي سيتواصل. بل إن ولاء و تماسك جميع أطراف تحالف المعارضة لم يختبر بعد. أما في تايلاند, فالمسألة ليست مجرد اختلاف حول شخص الحاكم و التعصب لأحدهم دون الآخر كما تبدو المسألة, بل للقصة بعد طبقي واضح و صراع بين نخبة و عسكر يحكمون و أغلبية فقيرة تسعي للحكم و حاولت أن تبقي احتجاجاتها ذات الأربعة الأسابيع سلمية و لم تسكب خلالها سوي دماء رمزية لإدانة رئيس الوزراء الذي جاء بدعم العسكر و في اقتراع برلماني مغلق قبل عامين ليطيح بحكومة صعد بها أصحاب القمصان الحمر في انتخابات حرة و نزيهة. الحكومة التي تم الإنقلاب ضدها في2008 كانت تذكر المحتجين بسياسات الرعاية الاجتماعية و المشاريع الاقتصادية التي انتهجها رئيس الوزراء السابق تاكسين و الذي أطاحوا به أيضا عام2005 تاكسين بالنسبة للمحتجين رمز للإنصاف والعدالة و مطالبهم لا ترتبط بعودته الحتمية و لكن بعودة الشرعية و العدالة و تجاوز الانقسام الاجتماعي حتي و إن تم ذلك بإنقلاب جديد.