كل فكرة تبدأ بحلم، فقبل أكثر من 50 عاما مضت- حينما حلم الزعيم الغانى كوامى نكروما بإقامة كيان إفريقى موحد- كان ينظر إليه على أنه خيال. والآن بعد مرور كل هذه السنوات بات حلمه واقعاً. فالقمة الإفريقية المنعقدة حاليا بكيجالى ستشهد اليوم احتفالية ضخمة لإطلاق جواز السفر الإفريقى الموحد، وسيحضر القادة هذه المرة بجوازات سفر إلكترونية دون تأشيرة، ويسمح لهم بحرية التنقل بين أرجاء القارة دون أى قيود. نكسوزانا زوما رئيسة المفوضية الإفريقية وصفت هذه المبادرة بأنها رمزية، ذات مغزى عميق، واعتبرتها خطوة فى سبيل تسريع عملية التكامل القارى وصولا بإفريقيا التى نريد أن نراها قوية، مزدهرة، ومتحدة. وترجع فكرة التكامل الإقليمى الى حلم الزعيم الغانى كوامى نكروما بكيان سياسى واقتصادى موحد للقارة يشمل حرية التنقل والتجارة وصولا للتعامل بعملة نقدية موحدة، وجواز سفر افريقى واحد لإزالة جميع الحواجز والقيود التى صنعها الاستعمار، ووقتها لم يلق اقتراحه قبولا، ورأى الزعماء أن تحقيق التكامل الشامل لابد أن يتم و لكن بشكل تدريجي، حيث كانت الأولوية التى تشغل معظم بلدان القارة التحرر من نير الاستعمار. وبعد أن انتهت القارة من عملية التحرر تم إحياء الفكرة مجددا من خلال خطة عمل لاجوس لعام 1980 و معاهدة أبوجا لعام1991 التى تبنت الجماعة الاقتصادية الافريقية فيها خطة لدمج جميع التكتلات الاقتصادية فى القارة على ست مراحل، تبدأ بمنطقة التجارة التفضيلية، ثم منطقة التجارة الحرة، يليها الاتحاد الجمركي، وصولا للاتحاد النقدى وبنك مركزى إفريقى وذلك على مدى 34 عاما تنتهى فى 2028. ويعد جواز السفر الإفريقى هو احدى مراحل عملية التكامل، لكن يسبقه عدد من الخطوات بدأت بالفعل فى العام الماضى بإطلاق منطقة التجارة الحرة من شرم الشيخ بين التجمعات الثلاثة الاقتصادية الكبرى ساديك ،ايكواس، اياك. ووفقا لمفوضة التجارة والصناعة بالاتحاد الافريقى فاطمة أصيل فإن منطقة التجارة الحرة بين التجمعات الثلاثة قد ارست مبادئ التفاوض لمنطقة التجارة القارية الكبرى على مستوى إفريقيا، التى من مقرر إطلاقها العام المقبل. وقالت أصيل- فى تصريحات ل «الأهرام»- إننا حينما نتحدث عن منطقة تجارة حرة على مستوى القارة فإن هذا لا يعنى أننا سنبدأ من الصفر إذ إن هناك تجمعات اقتصادية قائمة بالفعل. وعلى سبيل المثال التجمع الاقتصادى لدول غرب افريقيا «الايكواس» لديه تعريفة جمركية واحدة، ويتحركون بجواز افريقى موحد. وشددت على الحاجة إلى الإسراع فى مفاوضات التجارة القارية نظرا لتدنى مستوى التبادل التجارى بين الدول الافريقية الذى لا يتجاوز 12% فى حين يصل الى 60 % فى اوروبا، و بلغ 30% فى آسيا، وذلك رغم الإمكانات التى تزخر بها القارة. وأكدت أن التصنيع والقيمة المضافة للمنتجات الزراعية، إلى جانب تطوير البنية التحتية، هى أهم التحديات التى يتعين التركيز عليها فى المرحلة المقبلة، وإلا ستظل القارة فى المؤخرة ولن تتقدم أبدا. وقالت مفوضة التجارة والصناعة إن مفاوضات التجارة بين التجمعات الثلاثة؛ الساديك والكوميسا وشرق إفريقيا أرست حجر الأساس الذى سنستفيد منه فى مفاوضات منطقة التجارة القارية التى ستحقق ناتجا محليا إجماليا يتخطى ثلاثة تريليونات دولار، مما سيحل كثيرا من المشكلات التى تعانى منها القارة، وعلى رأسها البطالة والهجرة غير المشروعة الناتجة عن تدنى المستوى الاقتصادى . وتوقعت ان تؤدى منطقة التجارة القارية الى جذب الاستثمارات الاجنبية المباشرة للقارة و تعزيز التجارة البينية الافريقية وصولا للتكامل الاقتصادى المنشود. وكانت رابطة نموذج محاكاة الاتحاد الإفريقي- برئاسة الدكتورة سماح نصر الدين المكونة من عدد من الطلبة الأفارقة بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة- قد استبقت العام المنصرم مبادرة الاتحاد الإفريقى بتطبيق بندين من معاهدة أبوجا لإزالة الحواجز بين دول القارة، وقد صمم الطلاب بالفعل عملة إفريقية موحدة سموها «الافرو»، وجواز سفر افريقيا، وضعوا فيه صورهم إحدى خطوات تحقيق الاندماج والتكامل.