احتلت البيانات الخاصة بعدد الناخبين, اهتماما كبيرا منذ إعلان نتائج الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية, حيث اتخذ منها الكثيرون مبررا للتشكيك في نزاهة الانتخابات. ومن البديهي أنه إذا كان هناك أي تلاعب ملحوظ ومؤثر في بيانات السكان والناخبين, فإن ذلك يعني بالضرورة تلاعبا في نتائج الانتخابات يبرر عدم قبولها والاحتجاج عليها مهما كانت حصانة الجهة التي تشرف عليها أو تعلنها. وتشير بيانات عدد السكان في مصر في النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزي( عدد فبراير2012, ص117) والتي تأخذ بياناتها من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء, إلي أن عدد سكان مصر في الداخل والخارج قد بلغ71.9 مليون نسمة عام2005, وارتفع إلي73.6 مليون نسمة عام2006, بزيادة نسبتها2.4%, وارتفع إلي77.5 مليون نسمة عام2007, بزيادة نسبتها5.3%, وارتفع إلي79.1 مليون نسمة عام2008 بزيادة نسبتها2.1%, وارتفع إلي83.5 مليون نسمة عام2009 بزيادة نسبتها5.6%, وارتفع إلي84.5 مليون نسمة عام2010, بزيادة نسبتها1.2%, وارتفع إلي87.1 مليون نسمة عام2011 بزيادة نسبتها3.1%. وهذه البيانات تعني أن متوسط معدل النمو السكاني في مصر قد بلغ نحو3.3% سنويا خلال السنوات المذكورة, وهو هزل مطلق, لأن البيانات الرسمية المصرية تشير إلي أن متوسط معدل النمو السنوي للسكان يبلغ نحو1.9% سنويا, وهي نفس البيانات التي جري تسليمها للبنك الدولي الذي ينشرها في مطبوعاته وعلي رأسها التقرير السنوي تقرير عن التنمية في العالم, والتي تشير إلي أن معدل النمو السكاني في مصر بلغ في المتوسط نحو1.9% سنويا خلال الفترة من عام2000 إلي عام2010 (WorldBank,WorldDevelopmentReport2012,p.392). وهذا يعني أن هناك تلاعبا واضحا في بيانات السكان, وعلي الأجهزة الإحصائية المعنية ومعها البنك المركزي ونشراته الإحصائية, إعادة النظر في هذه البيانات المضطربة والبائسة والتي تبرر الشكوك في أي شئ يتم بناؤه علي هذه البيانات, ومن ضمن ذلك الانتخابات ونتائجها. ومن ناحية ثانية, أعلنت اللجنة القضائية المشرفة علي الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في مارس2011, أن إجمالي عدد الناخبين بلغ نحو45 مليون ناخب. ونظرا لأن الزيادة السنوية في عدد الناخبين تدور حول مستوي1.5 مليون شخص سنويا, فإنه كان من المنطقي أن يبلغ عدد الناخبين في نوفمبر2011 عند إجراء الانتخابات البرلمانية, نحو46 مليون ناخب, لكن اللجنة القضائية المشرفة علي تلك الانتخابات, أعلنت أن عدد الناخبين المسجلين بلغ50 مليون ناخب, بزيادة خمسة ملايين ناخب عن الرقم المعلن في مارس2011, وهي زيادة مذهلة ولا أساس لها من الحقيقة, ومنها مليون واحد زيادة طبيعية, ونحو3.5 مليون ناخب خارج المنطق والعقل, فمن أين جاءت تلك الزيادة ولمن ذهبت كأصوات؟! وللعلم فإن عدد المواليد في مصر في عام1993 الذين يحق لهم الدخول في سجلات الناخبين عام2011, بلغ1.6 مليون شخص, ولو افترضنا فرضا خياليا أنهم كلهم استمروا علي قيد الحياة, فإن الزيادة التي تمت في عدد الناخبين تبلغ نحو أكثر من ثلاثة أضعاف هذا الرقم. وبناء علي الزيادة المكشوفة كتلاعب أو كتزوير فج في قاعدة بيانات الناخبين في انتخابات مجلسي الشعب والشوري, تم تحديد عدد الناخبين في الانتخابات الرئاسية في مايو2012, من قبل اللجنة العليا للانتخابات بنحو50.9 مليون ناخب, رغم أن العدد المنطقي للناخبين في هذه الانتخابات الرئاسية ما كان ينبغي له أن يزيد عن نحو46.8 مليون ناخب علي أقصي تقدير بناء علي عدد الناخبين المسجلين في مارس.2011 والتساؤل هنا أيضا... من المسئول عن هذا التلاعب, ولمن ذهبت كتلة الأصوات الإضافية الضخمة التي أضيفت بصورة خارجة عن الحقيقة والمنطق منذ انتخابات مجلسي الشعب والشوري. والحقيقة أن كل الأحزاب التي تعتبر نفسها متضررة من نتائج انتخابات مجلسي الشعب والشوري, يمكنها أن تطعن علي نتائج تلك الانتخابات استنادا علي التغيرات المريبة وغير المنطقية في عدد الناخبين, ونفس الأمر بالنسبة للانتخابات الرئاسية الراهنة التي أجريت جولتها الأولي في الشهر الماضي وستجري جولتها الثانية بعد أيام. إن مصر التي دفعت تضحيات هائلة من دماء أنبل أبنائها من الشهداء والمصابين, وأنجزت ثورة عملاقة علي نظام الديكتاتور المخلوع مبارك الذي اعتاد علي تزوير إرادة الأمة في انتخاباته المتعاقبة, تستحق أن تحظي بانتخابات نزيهة وشفافة, وأول خطوات هذه النزاهة, هي سلامة قاعدة بيانات الناخبين, وتسليمها لكل المرشحين ولجهات المراقبة لتدقيقها والتأكد من سلامتها, وهو ما لم يتم, بما يزيد من الشكوك حول سلامة تلك الجداول. ومن اللافت حقا, أن بيانات الناخبين في مارس2011 قد وضعت في ظل الهلع الذي كانت تعاني منه أجهزة نظام مبارك, بما وضع قيودا عليها في إعادة إنتاج التزوير الذي اعتاد عليه أما بعد إعادة تنظيم قوي الثورة المضادة المنتمية لنظام الديكتاتور المخلوع الذي يعد أسوأ النظم التي مرت علي مصر طوال تاريخها الضارب في أعماق الزمن والذي يبدأ به التاريخ المكتوب للعالم, من زاوية الفساد والتزوير, وبدء مرحلة استهداف الثوار أنفسهم بالتشويه والملاحقة, فإن قوي الثورة المضادة وآلة التزوير المنتمية لذلك النظام عادت للعمل, وأظهرت إبداعاتها الرديئة في التلاعب بجداول الناخبين بصورة مكشوفة وفجة. إن مصر وشعبها العظيم يستحقان تفسيرا منطقيا ومقبولا لكل ما جري بشأن قاعدة بيانات جداول الناخبين, وإلا سيكون لدي كل القوي المضارة من نتائج انتخابات مجلسي الشعب والشوري والانتخابات الرئاسية, كل الحق في الدفع بعدم نزاهتها والمطالبة بإعادتها مرة أخري. وفوق كل ذلك وقبله, فإن التخبط المكشوف في البيانات الخاصة بتعداد السكان في مصر والتي تشتق منها بيانات الناخبين والمنشورة في مطبوعات البنك المركزي استنادا إلي بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء, ينبغي أن ينتهي, لأنه يعكس تلاعبا مكشوفا بالحقائق وينطوي علي إهانة للشعب الذي يستحق أن تقدم له الحقائق كاملة, وأن تحترم إرادته في بناء النظام الديمقراطي الجديد علي قواعد الحرية والكرامة الإنسانية والنزاهة والشفافية والعدالة الاجتماعية. المزيد من مقالات أحمد السيد النجار