انطلاق المؤتمر السنوي الثالث للدراسات العليا في العلوم التطبيقية بجامعة بنها    متاحة إلكترونيا.. نتيجة الصف السادس الابتدائي في القليوبية    الحكومة توافق على إنشاء المجلس الوطني للتعليم والبحث والابتكار    «العمل» تستكمل تسجيل وحصر العمالة غير المنتظمة بالوادي الجديد    محافظ المنوفية: صرف 100 ألف جنيه لكل متوفى بمعدية أبو غالب    الحكومة توافق إنشاء وتوريد مصنع لتدوير المخلفات "محلي الصنع"    «ترحيب عربي وغضب إسرائيلي».. ردود الفعل على اعتراف 3 دول أوروبية بفلسطين    ارتفاع حصيلة شهداء غزة ل35709 منذ 7 أكتوبر    صحيفة عبرية توضح عقوبة إسرائيل المنتظرة للدول الثلاث بعد اعترافهم ب«دولة فلسطينية مستقلة»    الأهلى يجهز بديل معلول أمام الترجى في إياب نهائي دوري الأبطال    الزمالك يكشف عن موعد صرف مكافأت الكونفدرالية    تحرير 91 محضرًا تموينيًّا لمحال ومخابز مخالفة بالإسماعيلية    لتفادي أى طارئ.. «السكة الحديد» تعلن تخفيض سرعة القطارات على معظم الخطوط (تفاصيل)    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    تراجع الإقبال الجماهيري على فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في مصر (بالأرقام)    عودة "دنيا"    كنوز| رسالتي الصحفية أن أحارب الظلم أياً كان وأن أقول ما أعتقد أنه الحق ولو خالفت في ذلك الرأي العام    ما أشد حر هذا اليوم "39 درجة".. بماذا كان يدعو النبي في مثل هذه الأجواء؟    في اليوم العالمي لتسمم الحمل 2024، هيئة الدواء تحذر الحوامل من 10 أعراض    «جولدمان ساكس»: تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر ستصل إلى 33 مليار دولار    موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بورسعيد    مسابقة 18 ألف معلم 2025.. اعرف شروط وخطوات التقديم    أحمد أيوب ل"هذا الصباح": ثبات موقف مصر تجاه فلسطين أقوى رد على أكاذيب إسرائيل    ترقب المصريين لموعد إجازة عيد الأضحى 2024: أهمية العيد في الحياة الثقافية والاجتماعية    انتقاما من والده.. حبس المتهمين بإجبار شاب على توقيع إيصالات أمانة بالمقطم    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    "لحصد المزيد من البطولات".. ليفاندوفسكي يعلن البقاء في برشلونة الموسم القادم    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    كيفية الحفاظ على كفاءة التكييف في فصل الصيف    المتحف القومي للحضارة يحتفل باليوم العالمي للمتاحف    فرقة طهطا تقدم "دراما الشحاذين" على مسرح قصر ثقافة أسيوط    توريد 16130 طن قمح منذ بدء عمليات التوريد بالقاهرة    المشدد 7 سنوات للمتهم بقتل ابن زوجته بالقليوبية    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    غادة عبد الرازق تعود للسينما بعد 6 سنوات غياب، ما القصة؟    بإشارته إلى "الرايخ الموحد".. بايدن يتهم ترامب باستخدام لغة هتلر    جوارديولا: أود مشاركة جائزة أفضل مدرب بالدوري الإنجليزي مع أرتيتا وكلوب    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    بروتوكول تعاون بين نقابة السينمائيين واتحاد الفنانين العرب و"الغردقة لسينما الشباب"    الأزهر يطلق صفحة مستقلة بفيس بوك لوحدة بيان لمواجهة الإلحاد والفكر اللادينى    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    ميناء دمياط يستقبل 10 سفن خلال 24 ساعة وحركة الواردات من القمح تصل ل 12 ألف طن    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    قمة عربية فى ظروف استثنائية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    حفظ التحقيقات حول وفاة طفلة إثر سقوطها من علو بأوسيم    تعديلات جديدة على قانون الفصل بسبب تعاطي المخدرات    ارتفاع مؤشرات البورصة بنسبة 0.22% في منتصف تعاملات اليوم    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    الرئيس الصيني: السياحة جسر مهم بين الشعبين الصيني والأمريكي للتواصل والتفاهم    5 نصائح غذائية للطلاب خلال فترة الامتحانات من استشارية التغذية    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    طريقة صنع السينابون بالقرفة.. نكهة المحلَّات ولذَّة الطعم    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصاد البوصلة العمياء !
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 07 - 2016

اذا صحّ ما يقوله امين معلوف في كتابه اختلال العالم وهو ان الغرب دخل الي الالفية الثالثة ببوصلة معطوبة، فإن البوصلة التي دخل بها العالم العربي الي هذه الالفية عمياء،
وقد تكون هناك جهة خامسة لا تشير اليها حتي البوصلات والحواسيب الذكية، ففي العقد الاخير من القرن العشرين لم يمت كثير من المفكرين والمثقفين العرب وفي نفوسهم شيء عن حتي سيبويه، بل ماتوا وفي نفوسهم شيء من الحربين العالميتين الاولي والثانية.
حين اعيد رسم تضاريس هذا الكوكب سياسيا فيما لعب القوي دور البطل الذي يقسم الغنائم، ولعب الضعيف رغما عنه دور الكومبارس، فلم يكن له ناقة او بعير في كل ما جري رغم انه كان ساحة لحروب الاخرين .
وحين نعود الي ما كتبه بعض المثقفين العرب عن الألفية الجديدة وهم يودعون القرن العشرين، نجد انهم لم يحتكموا في توقعاتهم الي اية بوصلات، ولم تكن المستقبليات بالنسبة اليهم علما له قواعده بقدر ما اسلموا أمرهم لما يتصورون انه الحدس .
وهكذا انتهي ضرب الاخماس بالاسداس الي اصفار، فكانت العودة محتمة الي المربعات الاولي في معظم المجالات، ومنهم من تمني البقاء علي قيد الحياة كي يشهد اليوتوبيا التكنولوجية الموعودة، ولم يكن يدري انه محظوظ لأنه حرم من هذا الجحيم الذي يصطلي بناره عشرات الملايين من بشر حفروا عقودا في زنزانة من اجل الحرية، ثم وجدوا انفسهم كمونت كريستو في الحكاية في زنزانة اضيق واشد رطوبة !
ما حدث منذ مطلع هذا القرن هو انقلاب عصف بقائمة الاولويات، وما كان مثار سجال واهتمام ورعاية رسمية علي مدار الساعة طرد الي الهامش واقتصر مصطلح التقشف الذي ولد اقتصاديا علي الثقافة التي كانت علي امتداد القرن الماضي ضحية الحروب والازمات، والكبش الذي يضحي به لأنها تتطلب رفاهية غير مُتاحة لمن خبزوا حتي الورد من فرط الحاجة الي ما هو ضروري للعيش !
بعد حرب حزيران عام 1967 وعلي اختلاف الاسماء التي حملتها كانت ضحية التقشف مجلات ومسارح ومؤسسات ذات صلة بالثقافة، مما أدي الي تجريف الوعي وتحول امراض عضوية كالزهايمر والايدز الي امراض نفسية واجتماعية اصابت الذاكرة السياسية علي نحو وبائي، وحدثت تلك القطيعة التي نحاول الان ردم هوتها بين اجيال، وما كان سيمفونيات وطنية كبري اصبح عزفا منفردا ومتباعدا، اما المايسترو فقد وجد نفسه خارج العزف تماما، لأن مفهوم الزعامة وفقهها كما انتهي اليه في زمن القطعنة هو تحول الحكومات المتعاقبة الي حكومات تصريف اعمال، والقادة الي هواة تفرزهم حراكات تأكل نفسها لأنها لا تجد المجالات الحيوية التي تتمدد نحوها ! اما فقدان المناعة الجسدية فقد هاجر الي العقل ليصبح ايدزا ثقافيا .
لقد كانت التضحية بالثقافة احدي نتائج حصاد الهشيم الذي انتهت اليه البوصلة العمياء حين تصور البعض انها من الكماليات وان مرتبة الكتاب تأتي في المرحلة الألف بعد الرغيف، لهذا فقد العربي المشيتين، فلم يصبح حمامة ولم يعد غرابا كما انه لم يحصل علي الكتاب ولم يظفر بالرغيف النظيف !!
وحين تعلن نسبة الامية المتفاقمة في بعض الاقطار العربية فان اول سؤال يخطر بالبال هو اين كانت الحكومات والنخب والناشطون المدنيون بحيث بلغ التصحر اقصاه، وشمل العقل اضافة الي الارض الزراعية التي تحولت الي سدائب من الحديد والاسمنت وثاني اكسيد الكربون، اضافة الي التراكم العشوائي الذي تحول بدوره الي ثقافة بديلة، واصبح سمة غالبة علي مقاربات فكرية وسياسية وحتي وصفات اقتصادية محكومة بالمحاكاة والنسج بمنوال الاخرين الذين يعيشون في بيئات اسيوية مغايرة ولهم موروث مغاير ايضا !
لهذا كانت الامية بمختلف تجلياتها الابجدية والسياسية والمعرفية المادة الخام النموذجية لافراز العنف وتوفير نماذج صالحة لأن تصطاد في شباك الإرهاب الذي يحاول استثمار الثالوث الأسود وهو البطالة والجهل والموروث علي عواهنه بلا تمحيص او غربلة، بحيث اكتسبت حتي الخرافات قداسة تحرسها من النقد .
لقد كان وما يزال الافراط في التوصيف علي حساب التحليل سببا في هذا الفائض النظري من المواعظ والوصفات الممنوعة من الصرف ، وعلي سبيل المثال فقط هناك سؤال سيتحول حتما الي مساءلة سياسية واخلاقية من الاجيال القادمة لهذا الجيل وهو كيف وبأية معجزة اصدر العرب طبعة جديدة من اسطورة ميداس الاغريقي بحيث اصبح يلامس الذهب فيحوله الي تراب، وكيف اصبح حاصل جمع الوفرة الديموغرافية والمواقع الاستراتيجية وفائض الثروات والثورات معا هو هذا المشهد الذي يفرض علي الانسان ان ينزف من دمه ما يكفي لأن يطفو عليه لكي ينجو، وهو بالتأكيد لن ينجو الا اذا صدق تلك الموعظة الخرقاء التي افرزها عصر البطالة والتنبلة والنكاية والغزو كنمط انتاج وهي أُنجُ سعد فقد هلك سعيد !
لقد ادي الافراط في التوصيف الافقي الي تفريط في المعالجات الميدانية، خصوصا وان الواقع العربي الان بحاجة الي مستشفيات طوارئ متنقلة، والاصابات النفسية قد تكون اضعاف الاصابات الجسدية كما يقول السايكولوجست المعروف د . احمد عكاشة !
واذا استمر علاج المرض العضال بكمادات الماء البارد فإن المستقبل هو الضحية، لأن نظرية فرويد الشهيرة عن قتل الابناء للآباء اصبحت في زماننا قتل الاباء للاحفاد واحفاد الاحفاد والاحصاءات التراجيكوميدية التي تتداول عن ان الجنين العربي مدين بعشرات الالاف من الدولارات قبل ان تستلّه القابلة من الرحم تتراجع امام احصاءات اخري تبحث عن حاسوب عبقري لاحصاء خسائر الجيل القادم علي صعيد علمي وثقافي، ومن قالوا ان القانون لا يرحم الجاهلين به، عليهم ان يضيفوا الان ان التاريخ لن يرحم من لم يقرأوه او من قرأوه وحولوه الي حكايات لتزجية الوقت او استدراج للنعاس في القيلولات .
المسألة كلها، ومن الفها الي يائها ثقافية، والعامل الحاسم فيها هو الوعي لهذا أنفق علي الغيبوبة القومية ما كان يكفي لوداع آخر أمي في اقصي قرية عربية عن العواصم !
فهل آن الوقت للاعتراف بأن التقشف الثقافي الذي كان ثمنا لسفاهة الاستهلاك هو بيت الداء وبيت القصيد !!؟
لمزيد من مقالات خيرى منصور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.