شقى من عرف أن فى العشرة الأواخر من رمضان ليلة القدر ولم يفوز بها، شقى من لا يحرص على التعبد فى ليلة خالية من الشر والأذى ولا يخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في غيرها، فهي سلام كلها، .. سلام هي حتى مطلع الفجر..، شقى من لم يُغفر له فيها، فمن قامها واحتسب في ذلك الأجر عند الله عز وجل «غفر له ما تقدم من ذنبه»، شقى من لا يدرك الليلة التى نزل فيها القرآن ، إنا أنزلناه في ليلة القدر، شقى من لم يغتنم الليلة التى يكتب الله فيها الآجال والأرزاق خلال العام «فيها يفرق كل أمر حكيم» .. شقى من تكون الملائكة على الأرض أكثر من عدد الحصى حاملة الخير والبركة والرحمة والمغفرة «تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر»، ويمسى مشغولاً بما لا يرضى الله فى هذه الليلة. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله) كما قالت عائشة رضي الله عنها، وفي رواية مسلم: (كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) وهذا يدل على أهمية وفضل هذه العشر، وشد المئزر الذى كان يفعله رسولنا الكريم كناية عن الجد والتشمير في العبادة، وقيل: كناية عن ترك الملذات والاشتغال بهن، وكان صلى الله عليه وسلم يحي فيها الليل بالذكر والصلاة وقراءة القرآن وسائر القربات، وأنه يوقظ أهله فيها للصلاة والذكر حرصاً على اغتنام هذه الأوقات الفاضلة، ويجتهد فى هذه الليلة بالعبادة والطاعة أكثر مما يجتهد فيما سواها من ليالي الشهر. وفى ذات ليلة سألت السيدة عائشة الرسول الكريم قائلة: أرأيت إن وافقتُ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: «اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عني». وقد كان من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الاعتكاف في العشر الأواخر في رمضان، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفَّاه الله تعالى، ثم أعتكف أزواجه من بعده «. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: سميت هذه الليلة ب «ليلة القدر» من القدر وهو الشرف كما تقول فلان ذو قدر عظيم، أي ذو شرف، وأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام، وهذا من حكمة الله عز وجل وبيان إتقان صنعه وخلقه، وقيل لأن للعبادة فيها قدر عظيم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» (متفق عليه) وعن علامات «ليلة القدر» ذكر الشيخ بن عثيمين رحمه الله أن لليلة القدر علامات مقارنة وعلامات لاحقة. العلامات المقارنة: قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة، وهذه العلامة في الوقت الحاضر لا يحس بها إلا من كان في البر عائشا فى الأنوار، والطمأنينة، أي طمأنينة القلب، وانشراح الصدر من المؤمن، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراح صدر في تلك الليلة أكثر من مما يجده في بقية الليالي، وأن الرياح تكون فيها ساكنة أي لا تأتي فيها عواصف أو قواصف، بل يكون الجو مناسباً، وأنه قد يُري الله الإنسان الليلة في المنام، كما حصل ذلك لبعض الصحابة رضي الله عنهم، وأن الإنسان يجد في القيام لذة أكثر مما في غيرها من الليالي. أما العلامات اللاحقة: أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع، صافية ليست كعادتها في بقية الأيام، ويدل لذلك حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها» (رواه مسلم).