يحتفل المجتمع المصري بعيد الأم في يوم21 مارس من كل عام. في هذا اليوم عادة ما تحتفل مؤسسات ومنظمات كثيرة بالمناسبة. كما تحتفل الدولة به سواء علي المستوي المركزي أو في كل محافظة علي حدة. فيتم تكريم العديد من الأمهات اللاتي بذلن جهدا مميزا في تربية أولادهن سواء كن ربات بيوت أو نساء عاملات. في النهاية يتم الاحتفال في جو أسري عام تستمر الإذاعة المصرية تردد فيه الأغنيات التي تحيي الأم خاصة أغنية فايزة أحمد الشهيرة التي صاغ كلماتها حسين السيد ولحنها محمد عبدالوهاب في العقد الخمسيني من القرن الماضي, وفي حدود ما أتذكر كان ذلك في العام الثاني الذي تحتفل به الدولة بعيد الأم. ولاتزال الأغنية التي تستريح الآذان وتبتهج النفس لسماعها تمثل إحدي علامات هذا اليوم. وفي العام الحالي وفي21 مارس عام2010 احتفلت نقابة الصحفيين ولأول مرة بعيد الأم. وجاءت الفكرة من السيدة الزميلة خيرية شعلان الصحفية في وكالة أنباء الشرق الأوسط والصحفية الوحيدة التي فازت بعضوية مجلس إدارة مؤسسة صحفية في الانتخابات الأخيرة. ولأن نقابة الصحفيين هي المنظمة التي تنظم الاحتفال ولأن الذي يعده هم الصحفيون والصحفيات فقد كان له مذاقه الخاص. في تقديري أن الاحتفال لم يكن تقليديا, بالرغم من بساطته, لا من حيث المحتفل بهن أو من حيث الكلمات التي ألقيت أو من حيث الفقرات الفنية التي قدمت. من حيث المحتفل بهن, فقد احتفلت النقابة بعدد من الزميلات المنتميات للأجيال المتباينة من الصحفيات اللاتي يعتمد عليهن العمل المهني الآن بكامل تنوعه وتخصصاته. مثلت المحتفل بهن شرائح عمرية تنتمي لأجيال من المهنيات المتخصصات في الشئون السياسية والأدبية والشئون العربية والشئون الدولية. هذه رئيسة تحرير وتلك مديرة تحرير والثالثة نائبة رئيس تحرير والرابعة كاتبة مرموقة. وهكذا وجدنا أمامنا كتلة مهنية من النساء العاملات في الصحافة المصرية القومية والحزبية والخاصة. فظهرت نقابة الصحفيين كعادتها نقابة كل الصحفيين والصحفيات بغض النظر عن مواقع عملهم أو عملهن. كما تبلورت الكتلة العامة من الصحفيات المصريات ككتلة متغيرة نوعيا من تلك الكتلة التي عرفتها الصحافة المصرية قديما في الستينيات أو الخمسينيات من القرن الماضي, لم يعد التخصص الوحيد هو صفحات المرأة وقضاياها المنزلية, بالرغم من أهميتها, ولكن تنوعت التخصصات وباتت المرأة العاملة الصحفية جزءا فاعلا ونشيطا من صلب العمل المهني السياسي والاقتصادي والثقافي وحتي الرياضي, وبات جهدها المهني قيمة مضافة للمهنة ككل. ظاهرة نعايشها كل يوم في مؤسساتنا الصحفية ولكنها تبلورت وتجسدت في هذه الأمسية الأسرية الجميلة وباتت حقيقة واضحة أمامنا, فعبرت هذه الحقيقة عن هذا التطور الحادث للمرأة الصحفية والذي لم يعد يستطيع أي تيار فكري الوقوف ضده أو العودة به للخلف. كانت المحتفل بهن مهنيات ناجحات وزوجات وأمهات, قمن علي كل الوظائف والتخصصات دون ضجيج. أما من حيث الكلمات فبدأت بكملة قصيرة للغاية للزميل مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين, ولكن رقيقة, تعترف بوجود هذه الكتلة المهنية, كما ونوعا, ثم جاءت بعدها كلمة الزميلة عبير سعدي عضو مجلس النقابة التي أعلنت حقيقة جديدة علينا جميعا وهي أن عضوية المرأة الصحفية في الجمعية العمومية ارتفعت إلي نسبة40% من مجمل العضوية, وبذلك باتت المرأة الصحفية كتلة هائلة من ناحية العدد بجانب وجودها كقدرة هائلة أخري من ناحية التخصصات. لذلك جاءت كلمة الزميل الصحفي أسامة أيوب ممثل الجمعية العمومية في الاحتفال, ليضع يده علي إحدي نقاط الضعف في العلاقة بين الصحفيات وبين نقابتهن, وكذلك إحدي نقاط الضعف بين الصحفيين وبين حقيقة مضمون الديمقراطية في حياتهم المهنية والنقابية, فإذا كانت المرأة العاملة في الصحافة تمثل نسبة40% من مجمل عدد العاملين في المهنة ومن عدد الجمعية العمومية للنقابة, وإذا كانت تنخرط في العمل في كل التخصصات المهنية, فلماذا لا تمثل إلا بعضو واحد في مجلس نقابة الصحفيين؟ هكذا طرح أسامة أيوب التساؤل لماذا لا تمثل بأكثر من عضو بأقل تقدير بالرغم من أن الديقراطية الحقة تقتضي أن تمثل بنسبة حضورها في الجمعية العمومية؟ وهو حقها الطبيعي كما هو واجب الجماعة الصحفية بأكملها, وهو واجبها الجماعي والمنطقي إذا ما أرادت أن تعبر عن الديمقراطية النقابية الحقة. وهو حق مارسته الجمعية العمومية للنقابة مرة واحدة في العقد السبعيني من القرن الفائت عندما انتخبت الجمعية العمومية للنقابة ثلاث زميلات لعضوية مجلس النقابة عام1975 في ذلك العام كانت الصحفيات يمثلن ثلث الجمعية العمومية. أما من حيث الفقرات الفنية فكانت تعبيرا جيدا عن انفتاح المجتمع المصري علي حقائق حياتية لم يكن منفتحا عليها سابقا, فبعد أن قدمت النقابة فقرة لعزف منفرد علي العود لألحان وطنية وأخري خاصة باحتفالات عيد الأم, قدمت فقرة ثانية لكورال أطفال تدربه إحدي منظمات المجتمع المدني بمنطقة المقطم. أطفال من الفتيان والفتيات ينشدون جماعيا أغنيات لسيد درويش ولليلي مراد ولنجيب الريحاني. لقي أداء الكورال ارتياحا عاما وترحيبا حارا من الحضور. فاختيار الأغاني عبر عن محاولات التواصل بين فنون الأمس وبين الأجيال الصاعدة من أبنائنا المنخرطين في أعمال وأنشطة مثل هذه المنظمات المهمة التي توجد الآن بكثرة في محيطنا الاجتماعي. أما الفقرة الأكثر اثارة فهي تلك الفقرة التي قدمها كورال أطفال نادي القاهرة الرياضي, وهو فريق من الأبناء ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعزفون جماعيا علي الآلات الموسيقية البسيطة السهلة ويرددون جماعيا بعض فقرات سهلة من الأغاني المصرية المذاعة. يمكن الآن متابعة العديد من هذه الأعمال التي يؤديها مثل هذا الفريق في عواصم كثيرة في محافظاتنا, مرة في هيئة جماعة فريق مسرحي أو جماعة صناعات يدوية بسيطة أو في مثل هذا الكورال الغنائي الذي لا يهدف إلي المتعة الفنية قدر ما يسعي إلي أن يجد هؤلاء البشر المختلفون عن غالبيتنا مكانا ومساحة من وقتنا وفي أنشطتنا, كان الحضور النقابي رقيقا عطوفا ومعبرا عن انفتاح المجتمع علي حقائق ومشكلات كانت تعيش معنا ولكننا لم نكن نعطيها اهتماما انسانيا تستحقه وتحتاجه. أكرر أن احتفال نقابة الصحفيين بعيد الأم عام2010 وإن كان الأول وإن كان قد تم ضمن عدد هائل من الاحتفالات الجارية في مواقع اجتماعية أخري إلا أن مذاقه كان خاصا جدا. المزيد من مقالات أمينة شفيق