سعادة التقوى بشهر رمضان لا نظير لها، فقد جاء الشهر العظيم ليحتفل بها، ويعظم فضلها ويرفع قدرها. يقول سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون... «إن زادها خير زاد، يحيطها بالجلال والإكرام، وتظفر بالصيام فى أيام معدودات، بخير فوز وأكرم مرتبة، حيث يتولى المولى سبحانه فى رمضان جزاء الصائمين، وهو أكرم الأكرمين وأعظم المانحين، يقول عز وجل: »كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به». فالصيام لا يعلم ثواب عامله إلا الله، ويستحق المتقون هذا الثواب العظيم والفوز الرفيع، فالتقوى نور لهم فى الارض، وذخر لهم فى السماء، واستقامة ترجع إلى أرقى درجات الرقى والكمال لأنها جماع الفضائل، و «خصال البر» وهى مطلوب الله جلت قدرته من العباد. إن الاستقامة التى يحظى الصائمون بها فى رمضان سمو وتهذيب يجلب الأمن والسكينة والصفاء. يقول رب العزة «إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون» والاستقامة التى يعتصم بها المتقون تمجد إيمانهم الصادق، وصبرهم الخاص، ومسلكهم الرشيد، فإنهم بالإمساك عن الطعام والشراب من الفجر الى غروب الشمس، والامتناع عن المعاصى والشرور، والاقبال على مكارم الأخلاق، والانطلاق إلى طاقات الرحمة والتكافل والبر قد أصبحوا متمسكين باكرم صور الهجرة وجهاد النفس، تنتظرهم جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، ليدخلوها من باب لا يدخل منه أحد غيرهم، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إن فى الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم. يقال أين الصائمون؟ فيدخلون منه فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد: أما القرآن الذى نزل فى شهر رمضان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فهو ربيع حياة الصائمين المتقين، يأخذ نصيبه فى أيام وليالى رمضان، ففيه منهج الفلاح الذى رسمه الخالق، وهو نور مبين وصراط مستقيم، يقول تعالى: «قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور بإذنه ويهديهم الى صراط مستقيم». وشفاعة الصيام والقرآن لا نظير لها عند الصائمين المتقين. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة. يقول الصيام أى رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعنى فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعنى فيه فيشفعان: إن المتقين يسيرون على هدى القرآن، والتطبيق العملى يحدد لهم سبل الفلاح فى الصلاة والزكاة وحفظ الفروج والأمانات والعهود وغيرها، ولذلك يرثون الفردوس هم فيها خالدون. إن أيام وليالى رمضان حبيبة إلى نفوس المتقين، وحسبها أنها تحرضهم دائما على بث الخير، والتمسك بالإنفاق والسماحة والمودة والعدل، والإحسان والرحمة والاخاء والبر، وفوز المتقين يشهد بأنهم يغضون أبصارهم عن المحرمات، ويحفظون فروجهم، ويصومون السمع عن الإصغاء لكل ما يحرم قوله أو يكرهه، ويكفون أيديهم عن ارتكاب ما يغضب الله، وينبذون الشح وقول الزور، ويشيعون الحلال ويجتنبون الحرام، ويعشقون تكاليف الله وأوامره، ويلزمون الإخلاص، وينأون عن الغلو وتعذيب النفس، ولذلك ظفروا بالخير له، وكرموا تكريما لم ينله سواهم، وباهى الله بهم ملائكته، لقد فازوا بالصيام والتقوى فوزا عظيما يقول سبحانه: «إن المتقين فى جنات ونعيم فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون». لمزيد من مقالات د. حامد شعبان