لم يتوقف المسرح المصري في تاريخه مثلما يحدث الآن.. في أحلك الظروف وبأقل الإمكانات كان المسرح حاضرا علي رأس الفنون ينتصر للمظلومين ويسخر من الطغاة ويدلي بشهادته علي عصره.. ربما لم تشهد مصر في تاريخها أسوأ من نكسة يونيو التي يمر عليها اليوم45 عاما.. هل هناك أقسي وأوجع من احتلال الأرض وهزيمة الجيش؟! لكن الفن المصري لم ينهزم ولم تكمم الأفواه كتب الشاعر الكبير فؤاد حداد ديوانا رائعا بعنوان من نور الخيال وصنع الأجيال في تاريخ القاهرة وقال في مقدمته هذا الديوان كتب ردا علي النكسة.. وكانت أول أبيات استهل بها الشاعر هي: الأرض بتتكلم عربي وقول الله إن الفجر لمن صلاه ما تطولش معاك الآه الأرض بتتكلم عربي وفي فن الأغنية شدت أم كلثوم عقب النكسة برائعتها الوطنية حق بلادك وتقول فيها: أبني وزود من أمجادك أبني لوطنك ولأولادك فكر.. ابحث.. أزرع.. صنع كل مجاهد حاينول أمله ربنا موش حايضيع أبدا أجر مكافح يتقن عمله أخلق.. جدد.. انتج.. صدر خلي بلادك تقوي وتكبر قوم بإيمان وبروح وضمير دوس علي كل الصعب علي كل الصعب وسير أما المسرح أبو الفنون فشهد في موسم1968/1967 نشاطا فنيا مذهلا كما وكيفا ليؤكد أن الهزيمة العسكرية أمر عارض لا يعني هزيمة الدولة أو الحضارة وتؤكد مجلة المسرح في عددها الصادر بتاريخ نوفمبر1967 أن المسرح القومي قدم رائعة سعد الدين وهبة المسامير والتي طرحت بسخرية سلبيات المجتمع وأسباب النكسة وأخرجها سعد أردش, كما عرض رائعة الفريد فرج الزير سالم وأخرجها حمدي غيث, وقدم نعمان عاشور في نفس الموسم بلاد بره من إخراج عبدالرحيم الزرقاني كما قدم د. لويس عوض ترجمة لمسرحية اسخيلوس الأوريستية وأخرجها مخرج يوناني علي خشبة المسرح القومي المصري, أما المسرح الحديث فقدم مأساة الحلاج للشاعر صلاح عبدالصبور والمخرج الشاب الواعد وقتها سمير العصفوري وقدم محمود دياب مسرحية ليالي الحصاد من إخراج د. أحمد عبدالحليم, وقدم علي سالم مسرحيتين في عرض واحد من اخراج حسن عبدالسلام, كما قدم المخرج سعد أردش رواية عالمية هي الليلة نرتجل لبيرانديلكو وعلي مسرح توفيق الحكيم قدم الشاعر نجيب سرور آه يا ليل يا قمر وأخرجها جلال الشرقاوي.. كما أخرج نجيب سرور مسرحية عمر بن الخطاب للأستاذ علي أحمد باكثير, وأيضا استقدم مسرح الحكيم مخرجا المانيا ليعرض مسرحية دائرة الطباشير القوقازية لبرتولد بريخت من ترجمة الدكتور عبدالرحمن بدوي وفي نفس الموسم قدم الدكتور مصطفي محمود مسرحيتين فصليتين ولم يذكر للأسف اسم المخرج أو ربما لم يكن المخرج قد تحدد بعد واستضاف مسرح الجيب كاتبا جزائريا هو كاتب ياسين في مسرحية الأسلاف يتميزون غضبا, وعرض آخر هو مسحوق الذكاء ترجمة كل من إدوارد الخراط وهيدي بانوب وأخرج المسرحيتين في عرض واحد الفنان الكبير كرم مطاوع الذي قدم في نفس الموسم لمسرح الجيب ثورة الفلاحين تأليف لوب دي فيجا ترجمة د. حسين مؤنس, كما قدم المخرج حسن عبدالسلام مسرحية تانجر تأليف مورجيك ترجمة سمير التنداوي وقدم أحمد عبدالحليم مسرحية الزفاف الدامي تأليف لوركا وترجمة د.حسين مؤنس.. بينما عرض المسرح الكوميدي مسرحية غير مخصص للبيع للكاتب الساخر محمد عفيفي, ومسرحية فلان الفلاني للأستاذ أنيس منصور وزهرة الصبار للمخرج كمال ياسين والتي قامت بترجمتها هيدي بانوب وصاغ حوارها د. يوسف ادريس, كما قام كمال ياسين بإعداد وتمصير مسرحية حب ورصاص عن نص جان جيتون ثم أعطي الفرصة للسيد راضي ليقوم هو بإخراج المسرحية هذه بعض الأعمال أما عن المواقف فيقول المخرج والمؤرخ المسرحي الدكتور عمرو دوارة أن جموع الفنانين قاموا بمظاهرتين في تاريخ1967/5/17 بعد سحب قوات الطواريء الدولية وظهور بوادر الحرب وقد قادت المظاهرة الأولي من المسرح القومي الفنانة محسنة توفيق وقاد المظاهرة الثانية من أمام مسرح الحكيم الفنان جلال الشرقاوي ويؤكد الدكتور عمرو دوارة أن الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر ذهب عدة مرات لمشاهدة مسرحية المسامير أو بالتحديد لمشاهدة ختام الفصل الأول والذي تقول فيه الفنانة سميحة أيوب لزميلها في المسرحية وصوتها يتهدج بالبكاء أصلب طولك يا عبدالله.. الناس بتناديك يا عبدالله.. الناس كلها معاك.. وأوعي تسيب ودنك للي موش خايفين علي البلد وكان المسرح يضج بالتصفيق الحاد مما يؤكد العزم وارادة النصر أما الأعمال التي تناولت النكسة فمن أهمها مسرحية بلدي يا بلدي تأليف د. رشاد رشدي وإخراج جلال الشرقاوي وأنت اللي قتلت الوحش لعلي سالم وجلال الشرقاوي ومسرحية أرض كنعان تأليف محمد العفيفي وأيضا إخراج جلال الشرقاوي والتي أعيد عرضها بعنوان فلسطين..48 وهناك أيضا رسالة من أب مصري لجونسون للشاعر عبدالرحمن الشرقاوي والمخرج كرم مطاوع, وحفلة رأس السنة لبهيج اسماعيل وكرم مطاوع واللحظة الحاسمة تأليف محمود التوني وإخراج أنور رستم.. هكذا كان المسرح المصري يقف في الميدان ويؤدي دوره لأنه يعرف أن مصر أعظم وأجل من أن تقهرها لحظة عابرة.. سيمضي الصغار وسيسهم التاريخ وسيبقي الفن الهادف خالدا في ذاكرة الوطن. [email protected]