الدكتور مرزوق أولاد عبد الله أستاذ التعليم العالي بالجامعة الهولندية الحرة بامستردام، وإمام أكبر المساجد بها، وأحد الذين اغتربوا وهاجروا منذ الصغر من المغرب إلى هولندا، يحكي لنا أحوال المسلمين في هولندا خلال شهر رمضان، وكيف يمر عليهم هذا الشهر الكريم، لأنهم دائما في بداية الشهر يتساءلون عن بداية الصوم ستكون مع أي دولة هذا العام؟! ويثير المشاكل في كل سنة يأتي فيها رمضان، وحتى الآن لم يتم حسمه، وكل يصوم حسب هواه، وبلغ عدد المساجد في الديار الهولندية ما يقرب من (خمسمائة مسجد)، والعدد في نمو مطرد، وكيف يكونون على تواصل بينهم ويؤدون عبادتهم.. وإلى نص الحوار ماذا عن شهر رمضان فى هولندا؟ وكيف يتم التواصل بين المسلمين هناك؟ حين يقترب شهر الصيام والقيام فى هولندا يبدأ المسلمون يتساءلون عن يوم الصيام ومع من يصومون هذه السنة وأى دولة يتبعون، هناك آراء متنوعة بخصوص هذه المسألة أعنى بدء الصيام مع أى دولة؟ يثير هذا الموضوع عدة نقاشات على الصعيد الهولندي، ولا يخلو الأمر من انقسام فى هذه المسألة كل حسب قناعاته الشخصية، ليس هناك رأى موحد فى هذا الموضوع فالبعض يصوم مع مصر، والآخرون مع المغرب، والآخرون مع السعودية ودول الخليج العربي، هذا الموضوع لم يحسم بعد بالرغم من التطورات الهائلة فى وسائل الاتصال الحديثة. وهذا يرجع إلى أنه ليس هناك مرجعية تستطيع أن توحد المسلمين على الصوم فى يوم واحد، وهذا الأمر يحتاج إلى تغيير العقول وخلق تمثيلية تمثل المسلمين حقيقيه وتكسب ثقتها ليجتمع المسلمون جميعا حولها. أما عن التواصل كالعادة فى كل سنة تبدأ مؤسسات المساجد فى التواصل مع بلدانهم الأصلية لتقديم طلبات استقدام بعثات علمية ومقرئين لإحياء هذا الشهر الفضيل مع الأقليات المسلمة فى الغرب حيث كان المسلمون يعيشون عزلة وغربة وتشوقا إلى أجواء رمضان فى بلدانهم الأصلية خاصة الجالية المغربية فى ذلك الوقت المبكر من الزمن، حيث لم يكن فى ذلك الوقت فى هولندا إلا الجالية المغربية بأعداد لا بأس بها والجالية التركية أيضا. وأذكر فى السبعينيات من القرن الماضى كانت مصر سباقة فى إرسال البعثات الأزهرية إلى أوروبا ومنها هولندا، وكانت المساجد المغربية تستقبل علماء من الأزهر الشريف، ومقرئين من وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بمصر بالتعاون مع الأزهر الشريف، حيث كانوا يقيمون دروسا رمضانية وبالذات فى المساجد المغربية التى كانت تستقبل علماء الأزهر بالترحاب واحترام شديد، تقديرا لمصر ولدورها الريادى فى أمتها العربية والإسلامية، ولم يكن يزاحمها فى ذالك الوقت أحد، المملكة المغربية منذ فترة بعيدة أيضا ترسل بعثات علمية شرعية من قبل وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية والمجلس العلمى الأعلي، هذه البعثات تحتوى على علماء ومقرئين من جامعة القرويين بفاس، ويستقبلون من طرف المساجد المغربية لإحياء شهر رمضان مع المغاربة والمسلمين عموما. كيف يتهيأ المسلمون فى هولندا لهذا الشهر الكريم؟ وهل تطول عليكم ساعات الصيام؟ يتهيأ المسلمون لهذا الشهر الكريم فى بيوتهم ومساجدهم ويستقبلونه بكل ترحاب وشوق، يصومونه نهارا ويقومونه ليلا، أما فى هذه السنة ستطول مدة ساعات الصيام إلى 19 ساعة، وكلما طالت هذه الساعات نشعر بمتعة الصيام، وكل جالية مسلمة تحاول أن تفطر افطار بلدها الأصلي. وبعد الإفطار يذهب المسلمون جماعات وأفرادا إلى مساجدهم لأداء صلاة التراويح فى وقت متأخر من الليل، ثم يرجعون إلى بيوتهم، وبالنهار تقام المحاضرات والندوات بالمساجد بحضور الشيوخ والمقرئين ويتبارى المقرئون فى تجويد القرآن الكريم وترتيله حيث يجتمع الناس حولهم منصتين خاشعين متذللين إلى الله.. كما تجمع الأموال والتبرعات من المصلين لدفع مرتبات الأئمة ومصاريف المساجد، ناهيك عن تنظيم مسابقات القران الكريم فى جل المساجد المغربية بحضور المغاربة والمصريين والصوماليين وغيرهم، ترى المغربى إلى جانب المصري، والصومالي،والسوري، فهم يشكلون لوحة واحدة جميلة فى الدين والعقيدة والوحدة، والممارسات الدينية، فنكون أسرة عربية واحدة داخل هذه المساجد. هل تقام فى هولندا موائد للصائمين على غرار موائد الرحمن فى مصر؟ نعم تقام (موائد الإفطار) كما تسمى فى مصر (موائد الرحمن) فى جميع المساجد للمسلمين وغير المسلمين بحيث أصبحت عادة فى شهر رمضان الكريم أن تقيم المساجد المغربية خاصة إفطاراً رمضانيا وتشارك فى هذه الموائد الرمضانية المؤسسات الحكومية والمدنية، وبدأت هذه الموائد صغيرة إلى أن أصبحت الآن منتشرة فى هولندا، هذه العادة الخيرة تلقفها المجتمع الهولندى بكل أطيافهم بحيث أصبح الجميع فى هولندا من غير المسلمين يتبارون فى تنظيم هذا الإفطار وتقديم الدعوات للمسلمين للحضور إليهم والإفطار معهم، تجدر الإشارة إلى أن الكنائس والمسيحيين، يقيمون على شرفهم (إفطاراً رمضانياً) للمسلمين ويقدمون إليهم الدعوات للإفطار معاً داخل الكنيسة مجتمعين فى صورة جميلة تعكس المواطنة والإخوة الإنسانية والتكاتف والتضامن، وأتمنى أن ينتشر هذا الإفطار بهذا الشكل فى البلاد العربية بين مواطنيها مسلمين وغير مسلمين. ما هى المؤسسات الحكومية التى تقيم هذه الموائد الرمضانية فى هولندا؟ وما الغرض من ذلك؟ الذين يقومون بتنظيم هذا الإفطار وزارات هولندية متنوعة، منها وزارة الدفاع الهولندية، على امتداد التراب الهولندي، ويتخلل هذا الإفطار كلمات متنوعة، وتجدر الإشارة بالذكر إلى أن شبكة الشرطة المغربية من أصل هولندى تنظم كل سنة إفطاراً للشرطة وتدعو العديد من المواطنين للحضور حيث وصل عددهم فى العام الماضى إلى 1500 مشارك من جميع أطياف المجتمع الهولندي، والقصد من تنظيم الإفطار فى المساجد والمؤسسات الحكومية والمدنية تدعيم مفاهيم التكافل والاندماج والأمن واحترام الآخر، وترسيخ الأخوة الإنسانية والعيش المشترك تحت سقف واحد، وتحت دولة واحدة، وينبغى على الجميع أن يعيشوا فى ظلها فى وئام وسلام ومحبة.