علي مدي عقود طويلة تعرضت ثروات مصر لنهب منظم من داخل مصر وخارجها إلا أنه في الآونة الأخيرة ظهرت طبقة من الأباطرة الجدد الذين استولوا علي أراضي الدولة بالكيلو مترات وبجنيهات قليلة وقاموا بتسقيعها أو تغيير نشاطها ليتحولوا إلي مليارديرات دون أن يدفعوا مستحقات الدولة. أتذكر أنني كنت في زيارة لمحافظة السويس منذ حوالي 15 عاما، وأثناء الحوار مع المحافظ تابعت مكالمة تليفونية له مع أحد رجال الأعمال المشهورين وهو من الحيتان السمان، وكان المحافظ منفعلا في أثناء الحوار معه، وبعد أن أنهي المكالمة قال لي «البيه زعلان علشان عايز يسجل الأرض المخصصة له دون أن يدفع مقابلها الزهيد»، واستطرد قائلا: «هو يريد إنهاء تسجيل الأرض لكي يقوم بعد ذلك برهنها للبنوك وأخذ قروض عليها ويدفع من تلك القروض ملاليم الدولة»، وبذلك يكون أخذ الأرض مجانا وأخذ مقابلها قروضا، ثم يقوم بعد ذلك بالتصرف فيها كيفما يشاء، وبالطريقة التي تناسبه. هذه القصة الحقيقية هي صورة كربونية لما حدث في الكثير من أراضي الدولة ومع الكثير من رجال الأعمال وربما يكون أكبر نموذج لذلك هو رجل الأعمال الشهير الذي تبلغ مديونياته للبنوك أكثر من 3 مليارات جنيه ولا يريد أن يدفعها حتي الآن رغم أنه باع الأرض بأضعاف هذا المبلغ ولاتزال لديه العديد من قطع الأراضي الأخري يضارب ويتاجر فيها ولا يريد أن يدفع مستحقات الدولة أو البنوك حتي الآن. لقد تفاقمت أزمة الأراضي بعد تولي المهندس أحمد المغربي وزارة الإسكان وإدخاله لنظام المزايدات في بيع أراضي الدولة، ووقتها فرحنا بالمزايدة التي حدثت باعتبارها أداة لتحصيل مستحقات الدولة من الأراضي، إلا أن الكارثة ظهرت بعد ذلك بعد أن أدت هذه المزايدة إلي مضاعفة أسعار الأراضي لمصلحة القطط السمان الذين استولوا علي مساحات شاسعة تحت مسميات متعددة وهبطت عليهم ثروات من السماء بسبب تلك المزادات، ثم اختفت مزايدات الوزير أحمد المغربي بعد ذلك إلي غير رجعة وكأنه كان يرغب في خدمة رجال الأعمال من هذه المزايدة الوحيدة وضخ المليارات إلي جيوبهم دون جهد يذكر. ليس هذا فقط بل إن حيتان الأراضي تفننوا في اللجوء إلي العديد من الحيل لنهب أراضي الدولة فقاموا بوضع أيديهم علي آلاف الأفدنة دون تقنين ومنهم من قام بتغيير نشاط الأرض دون الرجوع إلي الجهات المختصة، وكان أبرز تلك المخالفات هو ما حدث من تحويل نشاط الأراضي من زراعي إلي سكني وسياحي واستثماري، كما حدث في أراضي الطرق الصحراوية في الإسكندرية والإسماعيلية. ولأن ملف الأراضي متخم بالفساد والرائحة الكريهة فقد قام الرئيس عبدالفتاح السيسي بفتحه والاهتمام به منذ توليه مسئولية السلطة في مصر في إطار جهوده لمحاربة الفساد واقتلاع جذوره، والحفاظ علي ثروات الشعب واسترداد المنهوب منها، أو علي الأقل استرداد حق الدولة في إطار خطة تقنين منضبطة تراعي حقوق الدولة والمواطن معا. كان اختيار الرئيس عبدالفتاح السيسي للمهندس إبراهيم محلب في محله تماما، فهو شعلة من النشاط ولا يتوقف عن العمل الميداني، ومثابر لأقصي درجة حتي يستطيع إنجاز المعهود إليه مهما كانت الصعاب التي تواجهه. خلال الفترة القصيرة من عمر اللجنة استطاعت استرداد 43 ألف فدان منها 37 ألفا تابعة لهيئة التعمير وأعتقد أن في جعبة اللجنة الكثير خلال الأيام المقبلة. الأراضي المنهوبة ملف ضخم يحتاج إلي جهد ومثابرة «والسير علي الحبل المشدود» كما يقولون، فالهدف هو تحقيق المصلحة العامة واسترداد حقوق الدولة بعيدا عن الأهواء الشخصية أو التنكيل بأحد. أتمني أن تضع لجنة استرداد أملاك الدولة جدولا زمنيا تستطيع من خلاله إنهاء هذا الملف بشكل كامل، ووضع تصورات وإطار للعمل المستقبلي، أعلم أن العبء ثقيل نتيجة ميراث سنوات طويلة سابقة، لكن الأمر المؤكد أن اللجنة قادرة علي أن تعيد ثقة المواطن البسيط في الدولة حينما يشعر بالعدالة والمساواة من خلال استرداد حقوق الدولة سواء بحصيلة تقنين الأوضاع أو عودة الأراضي لحوزة الدولة مرة أخري، فالمهم ألا يفلت مخالف بمخالفته، وأن تكون هناك قواعد عادلة وشفافة يتم تطبيقها علي الجميع من أجل الأجيال المقبلة. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة