أثبت مسلسل ونوس الذى يعرض حاليا على شاشات التليفزيون المصرية والعربية ان جماهير الدراما فى هذه المنطقة من العالم من الممكن ان تندمج وتتعاطف وتعجب بأفكار درامية قديمة ذات طابع مباشر وتلقينى الى حد ما. يطرح هذا المسلسل الذى يقوم ببطولته النجم الكبير يحيى الفخرانى ويخرجه ابنه الموهوب شادى عن نص للكاتب النابه ثاقب الرؤية عبدالرحيم كمال، قضية قديمة تصلح لكل عصر هى دور الشيطان فى حياة البشر وقدرته على اغوائهم ومدى تمسكهم بقيمهم ومبادئهم اذا ما لعب هذا الاخير على احتياجاتهم ونقاط ضعفهم. يحسب للمسلسل طرحه قضية أخلاقية وروحية جادة فى وقت عزفت فيه الاغلبية العظمى من المسلسلات المعروضة فى هذا الشهر الكريم عن طرح اى شئ جاد او نافع او محفز او مفجر للتفكير او الخيال. المسلسل هو اعداد حر عن الحكاية الشعبية الالمانية الشهيرة فاوست التى كان مصدر الوحى الاساسى للعديد من الاعمال الاجنبية لكتاب عظماء او بارزين منهم الشاعر الالمانى الاشهر جوته وكذلك كريستوف مالرو وتوماس مان واوسكار وايلد ومن العالم العربى على أحمد باكثير. والحكاية عن د. فاوست الذى عقد اتفاقا مع الشيطان يقضى بأن يكون الاخير فى خدمته مقابل ان يسلم فاوست له روحه بعد موته. نحن فى المسلسل بصدد ونوس الذى يظهر لعائلة رقيقة الحال يوهمهم بانه كان صديق وشريك والدهم الذى ترك الحياة معهم منذ فترة وان لهما ارثا مشتركا فى قصر قديم قيمته عشرات الملايين وان عليهم اقناع والدهم بالقدوم لتسلم الارث. ينقلب كيان العائلة رأسا على عقب و يقع الخبر عليهم وقع الصدمة و يترك ونوس الابناء بين اللهفة والرجاء ماعدا امهم التى لم ترتح ببوصلتها الانسانية لونوس ولا صدقت قصته مع ابيهم. يبدأ ونوس فى اختراق حياة الابناء واحدا تلو الآخر و يغيرهم فى اتجاهات اكثر تفجيرا للغرائز الانسانية واكثر جشعا و خيلاء.ابن اكبر يعطى دروس دين لرواد المسجد يدفعه للاتجار بعمله والتحول لداعية مودرن يحول الدين الى تجارة. ابن آخر عبد للمال يسمع كلامه بدون تردد. ابن ثالث مطرب بالاوبرا يمنيه بالنجومية ويجعله يغنى بكباريه. وابنة مطلقة تريد علاج ابنها القعيد فتنصاع له بعد ان يشفى ابنها.ثم يفصح المسلسل عم ياقوت اب العائلة المنكوبة ونعرف تاريخ علاقته بونوس وان كان بينهما اتفاق حنث به ياقوت، مفاده ان ونوس منحه كل ملذات الحياة التى جعلته يمارس كل الاثام وكان لابد ان يطيع هارون الشيطان لكن قرر ان يتخلى عن حياة اللهو ويعيش كرجل شارد ينام بالشوارع ويأكل اى شئ ويسلم امره لله مصليا دائما. وكأى عمل درامى يمتلك هذا المسلسل الكثير من المميزات وكذلك بعض المآخذ النقدية. اولا فكرة اظهار الشيطان مجسدا فى انسان فكرة تنتمى لمرحلة أدبية قديمة كان فيها للرمز اعتباره وأهميته والمؤكد ان مدارس الفن المتطورة تجاوزت هذا ووصلت للمينيماليزم و مابعد الحداثة او على اقل تقدير للواقعية السحرية او الشعرية او الوحشية سواء فى اختيار الموضوعات او فى تركيب العمل الفنى او فى طرق سرده. لكننا بصدد نص تليفزيونى معروض لعموم الجماهير التى قد يعجبها او ينطلى عليها فكرة اظهار الشيطان مجسدا. ثانيا وهو الاهم خلط المسلسل وتحديدا نصه بين دور ونوس كشيطان او قدراته كاله او نبي. فهو يشفى المرضى ويعرف الغيب ويلعب بالزمن بما يليق بصانع الارادة او احد رسله وليس بأحد مخلوقاته مهما كانت قدراته. ثالثا انه يحفل الكثير من اللا منطق الدرامى والمصادفة كأن يذهب ياقوت للكباريه ليجد ان صاحبته هى عشيقته القديمة وابنه هو الذى يغنى هناك وهكذا دواليك. رابعا هناك مسرحة للنص واخراجه و تقديم المعانى بحدها الاقصى بين الابيض والاسود الحاد رغم ان طابع الحياة يكمن فى الدرجات الاخرى من الالوان. خامسا يبدو النص مدرسيا فى كلام الشيطان المباشر عن الذنوب والاثام وهو يكلم ياقوت انه زان وقاتل فلماذا يريد التراجع الان وهو هنا يقدم دروس الدين عن الحلال والحرام بشكل درامى متلفز رغم ان الفن عموما والدراما خصوصا يلعبان فى مساحات الحيرة والارتباك التى يعانيها الانسان على الارض رغم معرفته بأسس الحلال والحرام التى تحددها الاديان. ومن مميزات المسلسل الكبرى التمثيل الرائع للفخرانى و النصوع لنبيل الحلفاوى و التألق لحنان مطاوع التى تقدم كل انفعال بحساب ومصداقية كأنما نضجت على نار هادئة. وهناك رسوخ لمحمد شاهين ونضارة لنهى عابدين واقناع لهالة صدقى واكتشاف مفرح لنيكولا معوض ولطف حضور لحمد كيلانى كلهم اسرى ومشبعون.الاخراج لشادى الفخرانى سلس وواع رغم هنات مشاهد كثيرة كالكباريه والتكية. لكنها تبقى تجربة محترمة تحرك الكسل الروحى للمتفرجين رغم اى ملاحظات عليها. لمزيد من مقالات احمد عاطف