هناك أناس نقابلهم صدفة .. أولي لحظات اللقاء نحاول الهروب لكن بعد التواصل معهم ببعض الكلمات نكتشف أن الغلاف الخارجي لا يعبر دائماً عن المضمون فما سطرته الحياة في سنين لا يمكن قراءته في لحظات ..وهذا باختصار ما تعلمته خلال حواري مع أبو العُريف "الشحات المتقاعد". "صبح الصباح فتاح يا عليم والجيب ما فهش ولا مليم بس المزاج رايق وسليم باب الأمل بابك يا رحيم" كنت أدندن أغنيتي المفضلة صباح كل أخر شهر وأنا في الطريق للعمل؛ وأنا في انتظار باب الأمل إذ بصوت رجل عجوز يعلو صوتي وهو يبكي " يا كريم يا رب.. مش طالب غير رضاك.. لا نومة ولا دوا.. رحمتك يا رحيم"، كل الناس تعاطفت معه وأنا معهم؛ منا من أعطاه المال والطعام وأخر قال له أن في استطاعته أن يلحقه بدار لرعاية كبار السن، لكن العجوز رفض وقال " كفاية عليه حب وعطف أهل الخير". وعلي بعد نصف متر من الرجل العجوز بالقرب من كشك الكتب الذي اشتهي شراء منه كل ما هو جديد في عالم الروايات وجدت شاب حاول أن يبيع لي شيء في كيس صغير وانا أحاول أن الوذ بالفرار و أنا اتمتم " أكيد شاف الراجل الكبير وحب يقلده.. أنت شاب أشتغل ليه تسيب نفسك للشارع"؛ هنا وجدت أبو العُريف صاحب الكشك أمامي وهو مبتسم وكأنه يسمع مع أقول، أبو العُريف صديقي البائع الذي أجد عنده متعتي من الكتب والروايات الحديثة والقديمة أيضاً، أعرفه من أكثر من تسعة أشهر لكني لم أسأله يوماً لماذا الكل يناديه بهذا الاسم؟! هنا نطق لساني " خير يا ابو العُريف ما تضحكنا معاك... صحيح أيه أسم أبو العريف دا" مد ابو العُريف يده وأعطاني رواية جديدة وهو يقول " عشان أعرف اللي حضرتك متعرفهوش .. حتي لو قريتي مليون كتاب ولا هتعرفيه " تركت عيني سطور الرواية وأنا أنظر لصاحب الكشك بنظرة ممزوجة بالغضب والدهشة، هنا أعطاني كرسي لأجلس وهو يقول بكل هدوء " أهدي حضرتك وأسمعي من العبد لله كلمتين.. دا أول حوار ليه للصحافة بعد التقاعد .. من مهنة الشحاتة، ويمكن يكون أول حوار مع شحات متقاعد". جلست في انتظار أن أجد إجابات لكل الاسئلة التي باتت تلتهم عقلي، وهنا جاء صوته ليأخذني من حيرتي " ايوة حضرتك أنا كنت شحات.. دا أول شغل فتحت عيني عليه، ابويا الله يسمحه هو اللي خلاني أنا وأخواتي كدا.. مش هطول علي حضرتك في الموضوع دا كتير، لأنك أكيد قريتي عنه... الناس مسكت سيرة التسول وأطفال الشوارع فترة.. وأفلام ومسلسلات بس للأسف في غيري كثير لسه داخل ملعب الشارع ملعبش زي حلاتي ماتش الاعتزال ... حضرتك أتعمل عليكي فلم من شوية زي بقيت الناس.. عوكشة دا الراجل العجوز اللي الكل مدله ايده دا أكبر شحات في المنطقة دي وعنده بيوت في البلد وحاجات ياما.. أما الشاب الغلبان دا مريض بالسرطان عشان كدا مش قادر يشتغل ..بيحاول يبيع ويطلع باي قرش وهو قاعد عندي، لأنه غلبان ملوش في لغة الكار... عكشة نصاب والراجل دا غلبان بجد" لما سألته ليه ساب الشحاتة قال" سبتها مع أن بتدخلي كثير.. سبتها بعد ما أخويا مات وهو بيجري قبل ما يتمسك و أمي ماتت وهي غضبانه عليه.. يمكن كل دا حصل عشان أسيب بس في غيري كثير لسه في الكار وشغالين وانتوا ولا هنا، في غلابه أكثر محتاجين حلول عشان يبطلوا مد الأيد.. لو حضرتك عايزه تبعدي عن نصب عكشة دوري علي حل للغلبان دا لمرضه وفقره ... سامحي قلة أدبي أنا شوفت وعرفت كثير وسط الفقر والنصابين اللي بيستغلوا الفقرا، لحد ما وصلت هنا وسط المثقفين اللي بيقولوا عندهم لكل مشكلة مخرج يمكن الاقي حل ولقمة حلال.. مع أني أبو العُريف بس لسه ليه كثير قوي عشان أعرف؟! وحضرتك بقي عرفتي ولا لسه" وهنا سكت لساني عن الكلام المُباح في حضرة أبو العُريف. [email protected] لمزيد من مقالات مى إسماعيل